سورة الأنبياء (٤٠ ٤١) يستعجلونه وإضافتُه إلى الجملة الجارية مَجرى الصفة التي حقَّها أن تكونَ معلومةَ الانتسابِ إلى الموصوف عند المخاطب أيضاً مع إنكار الكفرة لذلك للإبذان بأنه منَ الظهورِ بحيثُ لا حاجة له إلى الإخبار به وإنما حقُّه الانتظامُ في سلك المسلّمات المفروغ عنها وجوابُ لو محذوفٌ أي لو لم يستمر عدم عليهم بالوقت الذي يستعلجونه بقولهم متى هذا الوعد من الحين الذي تحيط بهم النار فيه من كل جانب وتخصيصُ الوجوه والظهور بالذكر بمعنى القُدّام والخَلْف لكونهما أشهرَ الجوانب واستلزامِ الإحاطة بهما الإحاطةَ بالكل بحيثُ لا يقدرُون على دفعها بأنفسهم من جانب من جوانبهم ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ من جهة الغير في دفعها الخ لما فعلُوا ما فعلُوا من الاستعجال ويجوز أن يكون يعلم متروكَ المفعول مُنزّلاً منزلةَ اللازم أي لو كان لهم علم لما فعلوه وقوله تعالى حِينٍ الخ استئنافٌ مقرر لجهلهم ومبينٌ لاستمراره إلى ذلك الوقت
٤٠ - كأنه قيل حين يرون ما يرَوْن يعلمون حقيقةَ الحال
﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ عطف على لا يكفون أي لا يكفّونها بل تأتيهم أي العدَةُ أو النار أو الساعة ﴿بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ﴾ أي تغلبهم أوتحيرهم وقرىء الفعلان بالتذكير على أن الضمير للوعد أو الحين وكذا الهاء في قوله تعالى ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ بتأويل الوعد بالنار أو العِدة والحينِ بالساعة ويجوز عَودُه إلى النار وقيل إلى البغتة أي لا يستطيعون ردها عنهم بالكلية ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي يمهلون ليستريحوا طرفةَ عين وفيه تذكيرٌ لإمهالهم في الدنيا
﴿ولقد استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ﴾ تسليةٌ لرسول الله ﷺ عن استهزائهم به ﷺ في ضمن الاستعجال وعِدةٌ ضمنيةٌ بأنَّه يُصيبُهم مثلُ ما أصاب المتسهزئين بالرسل السالفةِ عليهم الصلاة والسلام وتصديرُها بالقسم لزيادة تحقيقِ مضمونها وتنوينُ الرسل للتفخيم والتكثير ومِنْ متعلقةٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ له أي وبالله لقد استُهزىء برسل أولي شأنٍ خطيرٍ وذوي عدد كثير أوحل أو نحوُ ذلك فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يُستعمل إلا في الشر والحَيْق ما يشتمل على الإنسان من مكروهِ فِعْلِه وقوله تعالى ﴿بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ﴾ أي من أولئك الرسلِ عليهم السلام متعلق بحاق وتقديمُه على فاعله الذي هو قوله تعالى ﴿مَّا كَانُوا به يستهزؤون﴾ للمسارعة إلى بيان لحوقِ الشرّ بهم وما إما موصولةٌ مفيدةٌ للتهويل والضمير المجرورُ عائدٌ إليها والجار متعلق بالفعل وتقديمُه عليه لرعاية الفواصلِ أي فأحاط بهم الذين كانوا يستهزئون به حيث أُهلكوا لأجله وإما مصدريةٌ فالضمير المجرور راجعٌ حينئذ إلى جنس الرسول المدلولِ عليه بالجمع كما قالوا ولعل إيثارَه على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاءُ استهزائهم بكل واحدٍ واحدٌ منهم عليه السلام لا جزاءُ استهزائهم بكلهم من حيثُ هو كلٌّ فقط أي فنزل بهم جزاءُ استهزائهم على وضع السبب موضع السبب إيذاناً بكمال الملابسةِ بينهما أو عينُ استهزائهم إن أريد بذلك العذابُ الأخرويُّ بناء على تجسم الأعمال فإن الأعمالَ الظاهرةَ في هذه النشأةِ بصور عرضيةٍ تبرُز في النشأة الآخرة بصور جوهريةٍ مناسبةٍ لها في الحسن والقبح


الصفحة التالية
Icon