سورة الأنبياء (٥١ ٥٤) ظاهرٍ لعدم استنادِه إلى دليل ما والتقليدُ إنما يجوز فيما يحتمل الحقية في الجملة
﴿قَالُواْ﴾ لما سمعوا مقالته عليه السلام استبعاداً لكون ماهم عليه ضلالاً وتعجباً من تضليله عليه السلام إياهم بطريق التوكيدِ القسمي وتردداً في كون ذلك منه عليه السلام على وجه الجد ﴿أَجِئْتَنَا بالحق﴾ أي بالجِد ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين﴾ فتقول ما تقول على وجه المداعبةِ والمزاحِ وفي إيراد الشِّقِّ الأخير بالجملة الاسميةِ الدالةِ على الثبات إيذانٌ برُجْحانه عندهم
﴿قَالَ﴾ عليه السلام إضراباً عما بنوا عليه مقالهم من اعتقاد كونِها أرباباً لهم كما يُفصح عنه قولُهم نعبدُ أصناماً فنظل لها عاكفين كأنه قيل ليس الأمر كذلك ﴿بل ربكم رب السماوات والأرض الذى فطَرَهُنَّ﴾ وقيل هو إضرابٌ عن كونه لاعباً بإقامة البرهانِ على ما ادّعاه وضميرُ هن للسموات والأرض وصَفه تعالى بإيجادهن إثرَ وصفِه تعالى بربوبيته تعالى لهن تحقيقاً للحقِّ وتنبيهاً على أن ها لا يكون كذلك بمعزل من الربوبية أي أنشأهن بما فيهن من المخلوقات التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدون من غيرِ مثالِ يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيه ورجْعُ الضمير إلى التماثيل أدخلُ في تضليلهم وأظهرُ في إلزام الحجة عليهم لما فيه من التصريح المغني عن التأمل في كون ما يعبُدونه من جملة المخلوقات ﴿وَأَنَاْ على ذلكم﴾ الذي ذكرتُه من كون ربكم رب السموات والأرض فقط دون ما عداهُ كائناً ما كان ﴿من الشاهدين﴾ أي العالِمين به على سبيل الحقيقةِ المُبرهنين عليه فإن الشاهدَ على الشيء مَنْ تحققه وحقّقه وشهادتُه على ذلك إدلاؤه بالحجة عليه وإثباتُه بها كأنه قال وأنا أبين ذلك وأبرهن عله
﴿وتالله﴾ وقرىء بالباء وهو الأصلُ والتاء بدل من الواو التي هي بدلٌ من الأصل وفيها تعجيب ﴿لاكِيدَنَّ أصنامكم﴾ أي لأجتهدنّ في كسرها وفيه إيذانٌ بصعوبة الانتهاز وتوقّفِه على استعمال الحيل وإنما قاله عليه السلام سرًّا وقيل سمعه رجل واحد ﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ﴾ من عبادتهم إلى عيدكم وقرىء تَوَلّوا من التولي بحذف إحدى التاءين ويعضُدها قوله تعالى فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ والفاء في قوله تعالى
﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ فصيحةٌ أي فولَّوا فجعلهم ﴿جُذَاذاً﴾ أي قُطاعاً فُعال بمعنى مفعول من الجذّ الذي هو القطعُ كالحُطام من الحطْم الذي هو الكسرُ وقرىء بالكسر وهي لغة أوجمع جذيذ كخِفاف وخفيف وقرىء بالفتح وجُذُذاً جمع جذيذ وجُذَذاً جمع جُذة روي أن آزر خرج به في يوم عيدٍ لهم فبدءوا ببيت الأصنام فدخلوه فسجدوا لها ووضعوا بينها طعاماً خرجوا به معهم وقالوا إلى أن نرجع تركت الآلهةُ على طعامنا فذهبوا وبقيَ إبراهيمُ عليه السلام فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنماً مصطفّاً وثمّةَ صنمٌ عظيم مستقبلَ الباب وكان من ذهب وفي عينيه