سورة الأنبياء (٥٩ ٦٣) جوهرتان تضيئان بالليل فكسر الكلَّ بفأس كانت في يده ولم يبقق إلا الكبيرُ وعلّق الفأس في عنقه وذلك قوله تعالى ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ أي للأصنام ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ﴾ أي إلى إبراهيمَ عليه السلام ﴿يَرْجِعُونَ﴾ فيحاجّهم بما سيأتي فيحجّهم ويبكّتهم وقيل يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبودِ أن يُرجَعَ إليه في المُلمّات وقيل يرجِعون إلى الله تعالى وتوحيدِه عند تحقّقهم عجزَ آلهتِهم عن دفع ما يصيبهم وعن الإضرار بمن كسرهم
﴿قَالُواْ﴾ أي حين رجعوا من عيدهم ورأوا مارأوا ﴿من فعل هذا بآلهتنا﴾ على طريقة الإنكارِ والتوبيخِ والتشنيع وإنما عبروا عنها بما ذكر ولم يشتروا إليها بهؤلاء وهي بين أيديهم مبالغةً في التشنيع وقوله تعالى ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين﴾ اسئناف مقرر لما قبله وقيل مَنْ موصولةٌ وهذه الجملةُ في حين الرفعِ على أنها خبرٌ لها والمعنى الذي فعل هذا الكسرَ والحطْمَ بآلهتنا إنه معدودٌ من جملة الظَّلَمة إما لجُرأته على إهانتها وهي حقيقةٌ بالإعظام أو لإفراطه في الكسر والحطْمِ وتماديه في الاستهانة بها أو بتعريض نفسِه للهلكة
﴿قَالُواْ﴾ أي بعضٌ منهم مجيبين للسائلين ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ أي يَعيبُهم فلعله فعل ذلك بها فقوله تعالى يَذْكُرُهُمْ إما مفعولٌ ثانٍ لسمِع لتعلّقه بالعين أو صفةٌ لفتى مصحِّحةٌ لتعلقه به هذا إذا كان القائلون سمِعوه عليه السلام بالذات يذْكُرهم وإن كانوا قد سمِعوا من الناس أنه عليه السلام يذكرهم بسوء فلا حاجة إلى المصحّح ﴿يُقَالُ لَهُ إبراهيم﴾ صفةٌ أخرى لفتى أي يطلق عليه هذا الاسم
﴿قَالُواْ﴾ أي السائلون ﴿فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ الناس﴾ أي بمرأىً منهم بحيث يكون نصبَ أعينهم في مكان مرتفع لا يكاد يخفى على أحد ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ أي يحضُرون عقوبتنا له وقيل لعلهم يشهدون بفعله أو بقوله ذلك فالضمير حينئذ ليس للباس بل لبعض منهم مُبهم أو معهود
﴿قالوا﴾ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية قولهم كأنَّه قيلَ فمَاذا فعلُوا به عليهِ السلامُ بعدَ ذلكَ هل أتوابه أولا فقيل أتوا به ثم قالوا ﴿أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إِبْرَاهِيمَ﴾ اقتصاراً على حكاية مخاطبتِهم إياه عليه السلام للتنبيه على أن إتيانَهم به ومسارعتهم إلى ذلك أمرٌ محقَّقٌ غنيٌّ عن البيان
﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ مشيراً إلى الذي لم يكسِرْه سلك عليه السلام مسلكاً تعريضياً يؤديه إلى مقصِده الذي هو إلزامُهم الحجّةَ على ألطف وجهٍ وأحسنِه بحملهم على التأمل في شأن آلهتهم مع مافيه من التوقي من الكذب حيث أبرز الكبيرَ قولاً في معرض المباشِرِ للفعل بإسناده إليه كما أبرزه في ذلك


الصفحة التالية
Icon