سورة الإنبياء (٨٨ ٩١) من جهتي ﴿إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ لأنفسهم بتعريضها للهلكة حيث بادرت إلى المهاجرة
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ أي دعاءَه الذي دعاه في ضمن الاعترافِ بالذنب على ألطف وجهٍ وأحسنه عن رسول الله ﷺ ما من مكروبٍ يدعو بهذا الدعاء إلا استُجيب له ﴿ونجيناه مِنَ الغم﴾ بأن قذفه الحوتُ إلى الساحل بعد أربع ساعاتٍ كان فيها في بطنه وقيل بعد ثلاثة أيام وقيل الغمُّ غمُّ الالتقام وقيل الخطئية ﴿وكذلك﴾ أي مثلَ ذلك الإنجاءِ الكامل ﴿نُنجِى المؤمنين﴾ من غمومٍ دَعَوُا الله تعالى فيها بالإخلاق لا إنجاءً أدنى منه وفي الإمام نجى ولذلك أخفى الجماعةُ النون الثانية فإنها تخفى مع حروف الفم وقرىء بتشديد الجيم على أن أصله نُنجّي فحذفت الثانية كما حذفت التاء في تَظاهرون وهي وإن كانت فاء فحدفها أوقعُ من حذف حرفِ المضارَعة التي لِمعنًى ولا يقدح فيه اختلافُ حركتي النونين فإن الداعيَ إلى الحذف اجتماعُ المِثلين مع تعذّر الإدغام وامتناعُ الحذفِ في تتجافى لخوف اللَّبس وقيل هوماض مجهولٌ أسند إلى ضمير المصدر وسُكّن آخره تخفيفاً ورُدّ بأنه لا يسند إلى المصدر والمفعول مذكور والماضي لا يسكن آخرُه
﴿وَزَكَرِيَّا﴾ أي واذكر خبره ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ﴾ وقال ﴿رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً﴾ أي وحيداً بلا ولدٍ يرثى ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين﴾ فحسبي أنت إن لم ترزُقني وارثاً
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ أي دعاءَه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى﴾ وقد مر بيانُ كيفية الاستجابة والهبة في سورة مريم ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ أي أصلحناها للولادة بعد عُقْرها أو أصلحناها للمعاشرة بتحسين خلقِها وكانت حَرِدةً وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الخيرات﴾ تعليل لما فصل من فنون إحسانِه تعالى المتعلقة بالأنبياء المذكورين أي كانوا يبادرون في وجوه الخيراتِ مع ثباتهم واستقرارهم في أصل الخير وهو السرُّ في إيثارِ كلمةُ في على كلمة إلى المُشعرة بخلاف المقصودِ من كونهم خارجين عن أصل الخيراتِ متوجهين إليها كما في قوله تعالى وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾ ذوي رغَبٍ ورهَب أوراغبين في الثواب راجين للإجابة أوفي الطاعة وخائفين العقاب أو المعصية أو للرغب والرهب ﴿وَكَانُواْ لَنَا خاشعين﴾ أي مُخْبتين متضرعين أو دائمي الوجَل والمعنى أنهم نالوا من الله تعالى ما نالوا بسبب اتصافِهم بهذه الخصال الحميدة
﴿والتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ أي اذكر خبرَ التي أحصنتْه على الإطلاق من الحلال والحرام والتعبيرُ عنها بالموصول لتفخيم شأنِها وتنزيهها عما زعموه في حقها آثرَ ذي أثيرٍ ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾ أي أحيينا عيسى في جوفها ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ من الروح الذي هو من أمرنا وقيل فعلنا النفخَ فيها من جهة روحنا جبريل