للعبدة لعدم الإلباس وكذا في قولِه تعالى ﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي لا يسمع بعضُهم زفيرَ بعض لشدة الهول وفظاعةِ العذاب وقيل لا يسمعون ما يسرهم من الكلام
﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى﴾ شروعٌ في بيان حال المؤمنين إثرَ شرح حالِ الكفرة حسبما جرت به سنةُ التنزيل من شفْع الوعد بالوعيد وإيرادِ الترغيب مع الترهيب أي سبقت لهم منا في التقدير الخَصلةُ الحسنى التي هي أحسنُ الخِصال وهي السعادة وقبل التوفيقُ للطاعة أو سبقت لهم كلمتُنا بالبشرى بالثواب على الطاعة وهو الأدخلُ الأظهرُ في الحمل عليها لما أن الأولَين مع خفائهما ليسا من مقدورات المكلفين فالجملةُ مع ما بعدها تفصيلٍ لَما أُجمل في قوله تعالى فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتبون كما أن ما قبلها من قوله تعالى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ الخ تفصيلٍ لَما أُجمل في قوله تعالى وَحَرَامٌ الخ ﴿أولئك﴾ إشارةٌ إلى الموصول باعتبر اتصافه بما في حيز الصلةِ وما فيهِ منْ معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وبُعد منزلتِهم في الشرفِ والفضلِ أيْ أولئكَ المنعوتونَ بما ذُكِرَ من النعت الجميل ﴿عَنْهَا﴾ أي عن جهنم ﴿مُبْعَدُونَ﴾ لأنهم في الجنة وشتان بينها وبين النار وما روي أن علياً رضي الله عنه خطب يوماً فقرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ وطلحةُ والزبيرُ وسعدٌ وسعيدٌ وعبدِ الرحمن بنِ عوف وأبو عبيدةَ بنُ الجراح رضوانُ الله تعالى عنهم أجمعين ثم أقيمت الصلاةُ فقام يجرّ رداءه ويقول
﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ ليس بنص في كون الموصول عبارةً عن طائفة مخصوصة والحسيسُ صوتٌ يُحَسّ به أي لا يسمعون صوتَها سمعاً ضعيفاً كما هو المعهودُ عند كون المصوِّت بعيداً وإن كان صوتُه في غاية الشدة لا أنهم لا يسمعون صوتَها الخفيَّ في نفسه فقط والجملة بدل من مبعودن أو حال ن ضميره مَسوقةٌ للمبالغة في إنقاذهم منها وقوله تعالى ﴿وَهُمْ فِى مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون﴾ بيانٌ لفوزهم بالمطالب إثرَ بيان خلاصِهم من المهالك والمعاطب أي دائمون في غاية التنعمَ وتقديمُ الظرف للقصر والاهتمام به وقوله تعالى
﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ بيان لنجانهم من الأفزاع بالكلية بعد بيان نجاتِهم من النار لأنهم إذا لم يُحزُنْهم أكبرُ الأفزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة عن الحسن رضيَ الله عنه أنَّه الانصرافُ إلى النار وعن الضحاك حتى يطبَقَ على النار وقيل حين يُذبح الموتُ في صُورةِ كبشٍ أملحَ وقيل النفخةُ الأخيرة لقوله تعالى فَفَزِعَ مَن فى السموات ومن فى الأرض وليس بذاك فإن الآمنَ من ذلك الفزع من استثناه الله تعالى بقوله إِلاَّ مَن شَاء الله لا جميعُ المؤمنين الموصوفين بالأعمال الصالحة على أن الأكثرين على أن ذلك في النفخة الأولى دون الأخيرة كما سيأتي في سورة النمل ﴿وتتلقاهم الملائكة﴾ أي تستقبلهم مهنّئين لهم ﴿هذا يَوْمُكُمُ﴾ على إرادةِ القولِ أيْ قائلين هذا اليومُ يومُكم ﴿الذى كنتم توعدون﴾ في الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المَثوبات على الإيمان والطاعات وهذا كما ترى صريحٌ في أنَّ المرادَ بالذين


الصفحة التالية
Icon