سورة الإنبياء (١٠٧ ١١١) العبادةُ دون العادة
﴿وَمَا أرسلناك﴾ بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكامِ وغيرُ ذلكَ من الأمورِ التي هي مناطٌ لسعادة الدارين ﴿إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين﴾ هو في حيز النصبِ على أنه استثناءٌ من أعم العللِ أو من أعم الأحوال أيْ ما أرسلناك أذكر لعلة من العلل إلا برحمتنا الواسعةِ للعالمين قاطبةً أو ما أرسلناك في حالٍ من الأحوالِ إلا حال كونِك رحمةً لهم فإن لها بُعثتَ به سببٌ لسعادة الدارين ومنشأ لا نتظام مصالحهم في البشأتين ومن لم يغتنمْ مغانمَ آثارِه فإنما فرَّط في نفسه وحُرمةِ حقه لا أنه تعالى حَرَمه مما يُسعِده وقيل كونُه رحمةً في حق الكفار أمنُهم من الخسف والمسخِ والاستئصال حسبما ينطِق به قوله تعالى وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ
﴿قُلْ إِنَّمَا يوحى إِلَىَّ أنما إلهكم إله واحد﴾ أي ما يُوحَى إليَّ إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحدٌ لأنه المقصودُ الأصليُّ من البعثة وأما ماعداه فمن الأحكام المتفرِّعة عليه فإنما الأولى لقصر الحُكم على الشيء كقولك إنما يقوم زيد أي ما يقوم إلا زيد والثانيةُ لقصر الشيءِ على الحكم كقولك إنما زبد قائم أي ليس له إلا صفةُ القيام ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ أي مخلِصون العبادةَ لله تعالى مخصِّصون لها به تعالى والفاءُ للدلالة على أن ما قبلها موجبٌ لما بعدها قالوا فيه دلالةٌ على أن صفةَ الوَحْدانية تصحّ أن يكون طريقُها السمعَ
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عن الإسلام ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه من الوحي ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿آذنتكم﴾ أي أعلمتُكم ما أُمرت به أو حربي لكم ﴿على سواء﴾ كائنتين على سواءٍ في الإعلام به لم أطْوِه عن أحد منكم أومستوين به أنا وأنتم في العلم بما أعلمتُكم به أو في المعادة أوإيذانا على سواء وقيل أعلمتكم أني على سواء أي عدلٍ واستقامة رأيٍ بالبرهان النيّر ﴿وَإِنْ أَدْرِى﴾ أي ما أدْرِي ﴿أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من غلَبة المسلمين وظهورِ الدين أو الحشرُ مع كونه آتيالا محالة
﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول﴾ أي ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيبِ الآياتِ التي من جملتها ما نطق بمجيء الموعود ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ من الإحْن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيراً أو قمطيرا
﴿وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾ أي ما أدري لعل تأخيرَ جزائِكم استدراجٌ لكم وزيادةٌ في افتتانكم أو امتحانٌ لكم لينظُرَ كيف تعملون ﴿ومتاع إلى حِينٍ﴾ أي وتمتُّعٌ لكم إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئتُه المبنيةُ على الحكم البالغةِ ليكون ذلك حجةً عليكم


الصفحة التالية
Icon