الاحزاب ٥١ بعُنوان النُّبوةِ بطريقِ الالتفاتِ للتكرمةِ والإيذانِ بأنَّها المناطُ لثبوتِ الحُكمِ فيختصُّ به ﷺ حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ أي خلصَ لك إحلالُها خالصةً أي خُلوصاً فإنَّ الفاعلةَ في المصادرِ غيرُ عزيزٍ كالعافيةِ والكاذبةِ أو خلصَ لك إحلالُ ما أحللنَا لكَ من المذكُوراتِ على القُيودِ المذكورةِ خالصةً ومَعنى قولِه تعالى ﴿مِن دُونِ المؤمنين﴾ على الأولِ أنَّ الإحلالَ المذكورَ في المادَّةِ المعهُودةِ غير متحقق في حقهم وإنَّما المتحقِّقُ هناك الإحلالُ بمهر المثل وعلى الثاني أنَّ إحلالَ الجميعِ على القُيودِ المذكورةِ غير متحقِّقٍ في حقِّهم بل المتحقِّقُ فيه إحلالُ البعضِ المعدودِ على الوجه المعهود وقرئ خالصةٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي ذلكَ خلوصٌ لك وخصوصٌ أو هيَ أيْ تلك المرأةُ أو الهبةُ خالصةٌ لك لا تتجاوزُ المؤمنينَ حيث لا تحل لهم بغيرِ مهرٍ ولا تصحُّ الهبةُ بل يجبُ مهر المثلِ وقولُه تعالى ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي على المؤمنين ﴿فِى أزواجهم﴾ أي في حقِّهنَّ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَه من خلوصِ الإحلالِ المذكور لرسول الله ﷺ وعدم تجاوزِه للمؤمنينَ ببيانِ أنَّه قد فُرض عليهم منْ شرائطِ العقدِ وحقوقِه ما لم يُفرضْ عليه ﷺ تكرمةً له وتوسعةً عليهِ أي قد علمنَا ما ينبغِي أنْ يُفرض عليهم في حقِّ أزواجِهم ﴿وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم﴾ وعلى أيِّ حدَ وأيِّ صفةٍ يحقُّ أن يُفرضَ عليهم ففرضنا ما فرضنا على ذلك الوجه وخصصناك ببعضِ الخصائصِ ﴿لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ أي ضيقٌ واللامُ متعلقةٌ بخالصةٍ باعتبار ما فيها من معَنى ثبوتِ الإحلالِ وحصوله له ﷺ لا باعتبارِ اختصاصه به ﷺ لأنَّ مدارَ انتفاءِ الحرجِ هو الأوَّلُ لا الثَّانِي الذي هو عبارة عن عدمُ ثبوتِه لغيرِه ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لما يعسرُ التَّحرزُ عنه ﴿رَّحِيماً﴾ ولذلكَ وسَّع الأمرَ في مواقعِ الحَرَجِ
﴿تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ﴾ أيْ تُؤخِّرها وتتركُ مضاجعتَها ﴿وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء﴾ وتضمُّ إليكَ مَن تشاءُ منهنَّ وتُضاجعها أو تطلِّق مَن تشاءُ منهنّ وتُمسك من تشاء وقرئ ترجئ بالهمزةِ والمعنى واحدٌ ﴿وَمَنِ ابتغيت﴾ أي طلبتَ ﴿مِمَّنْ عزلت﴾ طلقت بالرجعية ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾ في شئ مَّما ذُكر وهذه قسمةٌ جامعةٌ لما هو الغرضُ لأنَّه إمَّا أنْ يطلِّقَ أو يمسكَ فإذا أمسكَ ضاجعَ أو تركَ وقسمَ أو لم يقسم وإذا طلِّق فإمَّا أنْ يخلِّيَ المعزولةَ أو يبتغيَها ورُوي أنَّه أَرْجى منهنَّ سَوْدةَ وجُويريةَ وصفيَّةَ وميمُونةَ وأمَّ حبيبةٍ فكانَ يقسمُ لهنَّ ما شاءَ كما شاءَ وكانتْ ممَّا آوى إليهِ عائشةُ وحفصةُ وأمُّ سلمةٍ وزينبُ وأرجَى خمْساً وآوى أربعاً ورُوي أنَّه كان يُسوِّي بينهنَّ مع ما أُطلق له وخُيِّر إلا سودَة فإنَّها وهبتْ ليلتَها لعائشة رضى الله عنهن وقالتْ لا تُطلِّقْني حَتَّى أُحشرَ في زُمرةِ نسائكِ ﴿ذلك﴾ أي ما ذكر من تفويضِ الأمرِ إلى مشيئتِك ﴿أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بما آتيتهن كُلُّهُنَّ﴾ أي أقربُ إلى قُرَّةِ عُيونهنَّ ورضاهنَّ جميعاً لأنَّه حكمٌ كلُّهنَّ فيهِ سواءٌ ثمَّ إنْ سَوَّيتَ بينهنَّ وجدنَ ذلكَ تفضُّلاً منكَ وإنْ رجَّحت بعضهنَّ علمن


الصفحة التالية
Icon