الاحزاب ٥٣
﴿يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى﴾ شروعٌ في بيان ما يجبُ مراعاتُه على النَّاسِ من حُقوقِ نساءِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم إثرَ بيانِ ما يجبُ مراعاته عليه ﷺ منَ الحقوقِ المُتعلقةِ بهنَّ وقوله الى ﴿إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوالِ أي لا تدخلُوها في حالٍ من الأحوالِ إلا حال كونكم مأوذنا لكم وقيل منْ أعمِّ الأوقاتِ أيْ لا تدخلُوها في وقتٍ من الأوقاتِ إلا وقتَ أنْ يُؤذنَ لكُم وردَّ عليهِ بأنَّ النحاة نصوا على أنَّ الوقوعَ موقعَ الظَّرفِ مختصٌّ بالمصدرِ الصَّريحِ دُونَ المؤولِ لا يُقال آتيكَ أنْ يصيحَ الدِّيكُ وإنَّما يقالُ آتيكَ صياحَ الدِّيكِ وقولُه تعالى ﴿إلى طَعَامٍ﴾ متعلَّقٌ بيؤذنُ بتضمينِ معنى الدُّعاءِ للإشعارِ بأنَّه لا ينبغِي أنْ يدخلُوا على الطَّعامِ بغيرِ دعوةٍ وإنْ تحققَ الإذنُ كما يُشعر به قوله تعالى ﴿غَيْرَ ناظرين إناه﴾ أي غيرَ منتظرينَ وقتَهُ أو إدراكَه وهو حالٌ من فاعلِ لا تدخلوُا على أنَّ الاستثناءَ واقعٌ على الوقتِ والحالِ معاً عندَ مَنْ يُجوزه أو من المجرور في لكم وقرئ بالجرِّ صفةً لطعامٍ فيكون جارياً على غيرِ مَن هُو له بلا إبرازِ الضِّميرِ ولا مساغٍ له عند البصريين وقرئ بالإمالةِ لأنَّه مصدرٌ أنَى الطعامَ أي أدركَ ﴿وَلَكِنْ إذا دعيتم فادخلوا﴾ استداراك من النَّهيِ عن الدُّخولِ بغيرِ إذنٍ وفيهِ دلالةٌ بيِّنةٌ على أنَّ المرادَ بالإذنِ إلى الطَّعامِ هو الدَّعوةُ إليهِ ﴿فَإِذَا طَعِمْتُم فانتشروا﴾ فتفرقُوا ولا تلبثُوا لانه خطاب لقوم كان يتحينون طعام النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم فيدخُلون ويقعدُون منتظرين لإدراكِه مخصوصةً بهم وبأمثالِهم وإلاَّ لما جازلا حد ان يدخل بيوته ﷺ بإذنٍ لغيرِ الطَّعامِ ولا اللبث بعد الطعام لأمرمهم ﴿وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ أي لحديثِ بعضِكم بَعضاً أو لحديثِ أهلِ البيتِ بالتَّسمعِ له عطفٌ على ناظرينَ أو مقدَّرٌ بفعلٍ أي ولا تدخلوا أو لا تمكثُوا مستأنسين الخ ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ أي الاستئناسُ الذي كنتُم تفعلونَهُ من قبل ﴿كَانَ يُؤْذِى النبى﴾ لتضييقِ المنزَّلِ عليهِ وعلى أهلِه وإيجابِه للاشتغالِ بما لا يعينه وصدِّه عن الاشتغالِ بما يعنيه ﴿فيستحيي مّنكُمْ﴾ أي من إخراجِكم لقولِه تعالى ﴿والله لاَ يستحيي مِنَ الحق﴾ فإنَّه يستدعِي أنْ يكونَ المستحى منه أمراً حقَّاً متعلِّقاً بهم لا انفسهم وما ذاك إلا إخراجهم فينبغي أنْ لا يُترك حياءً ولذلك لم يتركْه تعالى وأمرَكم بالخروجِ والتَّعبيرُ عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة كله وقرئ لا يستحِي بحذفِ الياءِ الأُولى وإلقاءِ حركتِها إلى ما قبلَها ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ الضمير لسناء النبيِّ المدلولِ عليهنَّ بذكرِ بيوته ﷺ ﴿متاعا﴾ أي شيئاً يُتمتّع بهِ من الماعونِ وغيرِه ﴿فاسألوهن﴾ أي المتاعَ ﴿مِن وَرَاء حجاب﴾ أي ستر ورُوي أن عمر رضي اله عنه قالَ يا رسولَ الله يدخلُ عليكَ البرُّ والفاجرُ فلو أمرتَ أمَّهاتِ المؤمنينَ بالحجابِ فنزلتْ وقيلَ إنَّه ﷺ كان يَطعمُ ومعه بعضُ أصحابِه فأصابتْ يدُ رجلٍ منهم يد


الصفحة التالية
Icon