الاحزاب ٥٤ ٥٦ عائشةَ رضيَ الله عنها فكرِه النبيُّ ذلكَ فنزلتْ ﴿ذلكم﴾ أي ما ذُكر من عدمِ الدُّخولِ بغير إذن وعدم الاستئاس للحديثِ عند الدُّخولِ وسؤالِ المتاع من وراء حجاب ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ أي أكثرُ تطهيراً من الخواطرِ الشَّيطانيَّةِ ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ﴾ أي وما صحَّ وما استقامَ لكُم ﴿أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله﴾ أي أنْ تفعلُوا في حياتِه فعلاً يكرهه ويتأذَّى به ﴿وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بعده أبدا﴾ أي من بعدَ وفاتِه أو فراقِه ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ إشارةٌ إلى ما ذُكر منْ إيذائِه ﷺ ونكاحِ أزواجهِ من بعده وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الشرِّ والفسادِ ﴿كَانَ عِندَ الله عَظِيماً﴾ أي أمراً عظيماً وخطباً هائلاً لا يُقادر قدرُه وفيهِ من تعظيمِه تعالى لشأنِ رسوله ﷺ وإيجابِ حُرمتِه حيَّاً وميِّتاً مالا يخفى ولذلكَ بالغَ تعالى في الوعيدِ حيثُ قال
﴿إِن تُبْدُواْ شَيْئاً﴾ ممَّا لا خيرَ فيه كنكاحهنَّ على ألسنتِكم ﴿أَوْ تُخْفُوهْ﴾ في صدورِكم ﴿فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً﴾ فيجازيكم بما صدرَ عنكُم من المعاصِي الباديةِ والخافيةِ لا محالَة وفي هذا التعميمِ مع البُرهانِ على المقصودِ مزيدُ تهويلٍ وتشديدٍ ومبالغةٍ في الوعيدِ
﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى آبائهن وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن﴾ استئنافٌ لبيانِ مَن لا يجبُ الاحتجابُ عنهم رُوي أنَّه لمَّا نزات آيةُ الحجابِ قالَ الآباءُ والأبناءُ والأقاربُ يا رسولَ الله أوَ نكلمهن أيضاً من وراءِ الحجابِ فنزلتْ وإنَّما لم يُذكر العمُّ والخالُ لأنَّهما بمنزلةِ الوالدينِ ولذلك سُمِّي العمُّ أباً في قولِه تعالى وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل واسحق أو لأنَّه اكتُفي عن ذكرِهما بذكرِ أبناءِ الإخوةِ وأبناءِ الأخواتِ فإنَّ مناطَ عدمِ لزومِ الاحتجابِ بينهنَّ وبينَ الفريقينِ عينُ ما بينهنَّ وبينَ العمِّ والخالِ من العمومةِ والخؤولةِ لما أنهنَّ عمَّاتٌ لأبناءِ الإخوةِ وخالاتٌ لأبناءِ الأخوات وقيل لأنَّه كره تركَ الاحتجابِ منُهما مخافةَ أنْ يصِفاهنَّ لا بنائهما ﴿وَلاَ نِسَائِهِنَّ﴾ أي نساءِ المُؤمناتِ ﴿وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ من العبيدِ والإماءِ وقيلَ من الإماءِ خاصَّة وقد مرَّ في سورةِ النُّورِ ﴿واتقين الله﴾ في كل ما تأتن وما تذرن لاسيما فيما أمرتن به ونهيتن عنْهُ ﴿إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَىْء شَهِيداً﴾ لا تَخفى عليهِ خافيةٌ ولا تتفاوتُ في علمهِ الأحوالُ
﴿إِنَّ الله وملائكته﴾ وقُرىء وملائكتُه بالرَّفعِ عطفاً عَلى محلِ ان اسمها عند الكوفيينَ وحملاً على حذفِ الخبرِ ثقةً بدلالةِ ما بعدَه عليهِ على رَأي البصريينَ ﴿يُصَلُّونَ عَلَى النبى﴾ قيل الصَّلاةُ من الله الرَّحمةُ ومن الملائكةِ الاستغفارُ وقالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهما أرادَ أنَّ الله يرحمُه والملائكةَ يدعُون له وعنْهُ أيضاً يصلُّون يبرِّكُون وقالَ أبوُ العاليةِ صلاةُ الله