الاحزاب ٥٩ ٦١ بقول تعالى ﴿بِغَيْرِ مَا اكتسبوا﴾ أي بغيرِ جنايةٍ يستحقُّون بها الأذيةَ بعد إطلاقِه فيما قبلَه للإيذانِ بأنَّ أذى الله ورسولِه لا يكونُ إلا غيرَ حقَ وأما أَذَى هؤلاءِ فَمنُه ومنه ﴿فَقَدِ احتملوا بهتانا وَإِثْماً مُّبِيناً﴾ أي ظَاهراً بيّناً قيل إنَّها نزلتْ في مُنافقينَ كانُوا يؤُذون عليا رضي الله عنه ويسمعونه مالا خيرَ فيه وقيلَ في أهلِ الإفكِ وقال الضحَّاكُ والكلبيُّ في زُناةٍ يتَّبعونَ النِّساءَ إذَا برزنَ بالليَّلِ لقضاء حوائجهن كانوا لا يتعرَّضُون إلاَّ للإماءِ ولكنْ رُبَّما كانَ يقعُ منهما التَّعرُّضُ للحرائرِ أيضاً جَهْلاً أو تجاهُلاً لاتحادِ الكلِّ في الزيِّ واللِّباسِ والظاهرُ عمومُه لكلِّ ما ذُكر ولمَا سيأتِي من أراجيفِ المرجفين
﴿يا أيها النبي﴾ بعدما بيَّن سوءَ حالِ المُؤذين زَجْراً لهم عن الإيذاءِ امر النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم بأن يأمر بعض المتأذنين منهُم بما يدفعُ إيذاءَهم في الجُملةِ من السترِ والتميزِ عن مواقعِ الإيذاءِ فقيلَ ﴿قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن﴾ الجلباب ثوبٌ أوسعُ من الخمارِ ودُونَ الرداء تلوبه المراة على راسها وتقي منه ما لرسله على صدرِها وقيل هي الملْحفةُ وكل ما يُتسترُ به أي يغطينَّ بها وجوههنَّ وأبدانهنَّ إذَا برزن لداعيةٍ من الدَّواعِي ومِنْ للتبغيض لما مرَّ منْ أنَّ المعهودَ التَّلفعُ ببعضِها وإرخاءُ بعضِها وعن السُّدِّيِّ تُغطيِّ إحدَى عينيها وجبهتَها والشقَّ الآخرَ إلا العينَ ﴿ذلك﴾ أي ما ذكر من التَّغطِّي ﴿أدنى﴾ أقربُ ﴿أَن يُعْرَفْنَ﴾ ويُميزنَّ عن الإماءِ والقيناتِ اللاتِي هنَّ مواقعُ تعرُّضِهم وإيذائِهم ﴿فَلاَ يُؤْذَيْنَ﴾ من جهة اهل الريبة بالتعرضِ لهنَّ ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾ لما سلفَ منهنَّ منَ التَّفريطِ ﴿رَّحِيماً﴾ بعبادِه حيثُ يُراعي من مصالحهم أمثالَ هاتيكَ الجُزئياتِ
﴿لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون﴾ عمَّا هُم عليهِ من النِّفاقِ وأحكامِه الموجبةِ للإيذاءِ ﴿والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ عمَّا هُم عليهِ من النزلزل وما يستتبعُه ممَّا لا خيرَ فيهِ ﴿والمرجفون فِى المدينة﴾ من الفريقينِ عمَّا هُم عليهِ من نشرِ أخبارِ السُّوءِ عن سَرَايا المُسلمينَ وغيرِ ذلكَ من الا راجيف الملَّفقةِ المُستتبعةِ للأذَّيةِ وأصلُ الإرجافِ التَّحريكُ من الرَّجفةِ التي هي الزَّلزلةُ وُصفت به الأخبارُ الكاذبةُ لكونِها متزلزلةً غيرَ ثابتةٍ ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ لنأمرنَّك بقتالِهم وإجلائِهم أو بما يضطرهم إلى الجلاءِ ولنحرضنَّك على ذلكَ ﴿ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ﴾ عطفٌ على جوابِ القسمِ وثمَّ الدلالة على ان الجلاء ومفارقة جوار الرسول ﷺ أعظمُ ما يُصيبهم ﴿فِيهَا﴾ أي في المدينةِ ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ زَمَاناً أو جواراً قليلاً ريثما يتبينُ حالُهم من الانتهاءِ وعدمِه
﴿مَّلْعُونِينَ﴾ نُصب على الشَّتمِ أو الحالِ على أنَّ الاستثناءَ واردٌ عليهِ أيضاً على رَأْي مَن يجوِّزه كما مر في قوله تعالى غير ناظرين إناه ولا سبيلَ إلى انتصابِه عن قولِه تعالى ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً﴾