سبإ ١٤ وإذا قعد أظله النَّسرانِ بأجنحتِهما ﴿وَجِفَانٍ﴾ جمع جفنة وهي الصفحة ﴿كالجواب﴾ كالحياضِ الكبارِ جمع جابيةٍ من الجباية لاجتماعِ الماء فيها وهي من الصفات الغالبة كالدابة وقرئ بإثبات الياءِ قيل كان يقعدُ على الجفنةِ ألفُ رجل ﴿وقدور راسيات﴾ ثابتاتٍ على الأَثَافي لا تنزل عنها لعظمِها ﴿اعملوا آل داود شكرا﴾ حكايةً لما قيلَ لهم وشُكراً نصبٌ على أنَّه مفعولٌ له أو مصدرٌ لاعملُوا لأنَّ العمل للمنعمِ شكرٌ له أو لفعله المحذوفِ أي اشكرُوا شكراً أو حالٌ أي شاكرين أو مفعولٌ به أي اعملُوا شُكراً ﴿وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور﴾ أي المتوفِّرُ على أداءِ الشُّكرِ بقلبه ولسانِه وجوارحِه أكثر أوقاتِه ومع ذلك لا يوفِّي حقَّه لأنَّ التَّوفيقَ للشكرِ نعمةٍ تستدعِي شكراً آخرَ لا إلى نهايةٍ ولذلك قيل الشَّكورُ من يرى عجزَه عن الشُّكرِ ورُوي أنه عليه الصلاةُ والسلام جزَّأَ ساعاتِ اللَّيلِ والنَّهارِ على أهله فلم تكنُ تأتِي ساعةٌ من السَّاعاتِ إلا وإنسانٌ من آلِ داودَ قائمٌ يُصلِّي
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت﴾ أي على سليمانَ عليه السَّلامُ ﴿مَا دَلَّهُمْ﴾ أي الجنَّ أو آلَه ﴿على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاْرْضِ﴾ أي الأَرَضةُ أضيفتْ إلى فعلها وقرئ بفتحِ الرَّاءِ وهو تأثُّرُ الخشبةِ من فعلِها يقالُ أَرَضتَ الأَرَضةُ الخشبةَ أرضاً فأرضتْ أرضْاً مثل أكلتِ القوارح أسنانَه أَكْلاً فأكلتْ أَكلاَ ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ﴾ أي عصاهُ من نسأتُ البعيرَ إذا طردَته لأنَّها يُطرد بها ما يطرد وقرئ مِنُساتَه بألفٍ ساكنةٍ بدلاً من الهمزة وبهمزةِ ساكنةٍ وبإخراجها بينَ بينَ عند الوقف ومنساءته عل مفعالةٍ كميضاءَةٍ في ميضأَةٍ ومن ساته أي من طرفِ عصاهُ من سأةِ القوسِ وفيه لغتانِ كما في قِحَةٍ بالكسرِ والفتحِ وقُرىء أكلتْ مِنْساتَهُ ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن﴾ من تبيَّنت الشيءَ إذا علمته بعد التباسه عليك أي علمت الجنّ علماً بيِّنا بعد التباسِ الأمر عليهم ﴿أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ فِى العذاب المهين﴾ أي أنَّهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلمُوا موتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حينما وقع فلم يلبثُوا بعده حولاً في تسخيرِه إلى أن خرَّ أو من تبيَّن الشيءُ إذا ظهرَ وتجلَّي أي ظهرتِ الجنُّ وأنْ مع ما في حيِّزِها بدلُ اشتمالٍ من الجنُّ أي ظهر أنَّ الجنَّ لو كانوا يعلمون الغيبَ الخ وقُرىء تبيَّنت الجنُّ على البناءِ للمفعولِ على أنْ المتبيَّن في الحقيقة هو أن مع ما في حيِّزِها لأنه بدلٌ وقُرىء تبيَّنت الإنسُ والضَّميرُ في كانُوا للجنِّ في قوله تعالى ومن الجن مَن يَعْمَلُ وفي قراءةُ ابن مسعود رضي الله عنه تبينتِ الأنسُ أنَّ الجنَّ لو كانوا يعلمون الغيب رُوي أنَّ داودَ عليه السَّلامُ أسَّس بنيان بيت المقدس في موضعِ فُسطاطِ مُوسى فتوفِّي قبل تمامه فوصَّى به إلى سليمانَ عليهما السَّلامُ فاستعمل فيه الجنَّ والشَّياطينَ فباشروه حتىَّ إذا حانَ أجلُه وعلم به سألَ ربَّه أنْ يُعمِّي عليهم موتَه حتَّى يفرغُوا منه ولتبطلَ دعواهم علمَ الغيبِ فدعاهم فبنَوا عليه صَرحاً من قواريرَ ليس له بابٌ فقام يُصلِّي متكئاً على عصاهُ فقُبض روحُه وهو متكىءٌ عليها فبقي كذلك وهم فيما أُمروا به من الأعمالِ حتَّى أكلتِ الأَرَضةُ عصاهُ فخرَّ ميِّتاً وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه