سبإ ١٧ ١٨ سقيهم وقيل العرمُ الجُرَذُ الذي نَقَبَ عليهم ذلك السدَّ وهو الفأرُ الأعمى الذي يقال له الخُلْدُ سلَّطه الله تعالى على سدِّهم فنقَبه فغرَّق بلادَهم وقيل العَرِمُ اسم الوادي وقرئ العَرْم بسكون الرَّاءِ قالوا كان ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى والنَّبيِّ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿وبدلناهم بجنتيهم﴾ أي أذهبنا جنَّتيهم وآتيناهم بدلهما ﴿جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ أي ثمرٍ بشعٍ فإنَّ الخَمْطَ كل نبت أخذ طعماً من مرارة حتَّى لا يمكن أكلُه وقيل هو الحامضُ والمرُّ من كل شئ وقيل هو ثمرةُ شجرةٍ يقال لها فَسْوةُ الضبع على صورة الخَشْخَاشِ لا يُنتفع بها وقيل هو الاراك وكل شجرٍ ذي شوكٍ والتَّقديرُ أكل أكل خمط فحُذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مقامه وقرئ أكل خمط بالاضافة وبتخفيف أكل ﴿وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ معطوفان على أُكلٍ لا على خَمْطٍ فإن الأَثْلَ هو الطَّرفاءُ وقيل شجرٌ يُشبهه أعظم منه ولا ثمر له وقرئ وأَثْلاً وشيئاً عطفاً على جنَّتين قيل وصف السِّدْرُ بالقلَّةِ لما أنَّ جناهُ وهو النَّبقُ مَّما يطيبُ أكلُه ولذلك يغرس في البساتينِ والصَّحيح أنَّ السِّدْرِ صنفانِ صنفٌ يُؤكلُ من ثمره ويُنتفع بورقه لغسلِ اليد وصنف له ثمرة عَفْصةٌ لا تُؤكل أصلاً ولا يُنتفع بورقهِ وهو الضَّالُ والمرادُ ههنا هو الثَّاني حتماً وقال قَتادةُ كان شجرُهم خيرَ الشَّجرِ فصيَّرُه الله تعالى من شرِّ الشَّجرِ بأعمالِهم وتسميةُ البدلِ جنَّتين للمشاكلةِ والتَّهكُّمِ
﴿ذلك﴾ إشارة إلى مصدر قوله تعالى ﴿جزيناهم﴾ أو إلى ما ذُكرَ من التَّبديلِ وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد رُتبتهِ في الفظاعة ومحلُّه على الأوَّلِ النصبُ على أنَّه مصدرٌ مؤكدِّ للفعل المذكور وعلى الثَّاني النَّصبُ على أنه مفعولٌ ثانٍ له أي ذلك الجزاءَ الفظيع جزيناهم لاجزاء آخرَ أو ذلك التَّبديلَ جزيناهم لا غيرَه ﴿بِمَا كَفَرُواْ﴾ بسبب كفرانهم النِّعمة حيثُ نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدَّها أو بسبب كفرهم بالرُّسلِ ﴿وَهَلْ نُجَازِى إِلاَّ الكفور﴾ أي وما نجزى هذا الجزاءَ إلا المُبالغَ في الكُفرانِ أو الكفر وقرئ يُجازِي على البناءِ للفاعلِ وهو الله عزَّ وجلَّ وهل يُجازَى على البناءِ للمفعولِ ورفعِ الكفورَ وهل يجزى على البناء للمفعول أيضاً وهذا بيانُ ما أُوتوا من النَّعم الحاضرة في مساكنهم وما فعَلُوا بها من الكُفرانِ وما فُعل بهم من الجزاء وقوله تعالى
﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التى بَارَكْنَا فِيهَا﴾ حكاية لما أُوتوا من النَّعمِ البادية في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك تكملةً لقصتهم وبياناً لعاقبتهم وإنما لم يذكر الكلَّ معاً لما في التَّثنيةِ والتكريرِ من زيادة تنبيه وتذكير وهو عطف على كل لسبأٍ لا على ما بعده من الجمل النِّاطقةِ بأفعالهم أو بأجزيتها أي وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فُنون النِّعمِ بينهم أي بين بلادهم وبين القُرى الشَّاميةِ التى باركنا فيها للعالمين ﴿قُرًى ظاهرة﴾ متواصلة يُرى بعضُها من بعضٍ لتقاربها فهي ظاهرة لأعينُ أهلها أو راكبة متنَ الطريق ظاهرة للسَّابلةِ غير بعيدة عن مسالكهم حتَّى تخفى عليهم ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير﴾ أي جعلناها في نسبة بعضها


الصفحة التالية
Icon