فاطر ٤ ٥ بالنَّصبِ على الاستثناءِ وقوله تعالى ﴿يَرْزُقُكُم مّنَ السماء والارض﴾ أي بالمطرِ والنَّباتِ كلامٌ مبتدأٌ على التَّقاديرِ لا محلَّ له من الإعراب داخل من حيِّز النَّفي والإنكار ولا مساغَ لما قيلَ من أنَّه صفةٌ أخرى لخالق مرفوعةُ المحلِّ أو مجرورتُه لأنَّ معناه نفي وجودِ خالقٍ موصوفٍ بوصفَيْ المغايرةِ والرَّازقيَّةِ معاً من غيرِ تعرضٍ لنفْي وجودِ ما اتَّصف بالمغايرةِ فَقَطْ ولا لما قيلَ من أنه الخبرُ للمبتدأِ ولا لما قيلَ من أنَّه مفسِّر لمضمرٍ ارتفع به قولُه تعالى مِنْ خالقٍ على الفاعلية أي هل يرزقكم من خالق الخ لما أنَّ معناهما نفي رازقيَّة خالقٍ مغايرٍ له تعالى من غيرِ تعرضٍ لنفيِ وجودِه رأساً مع أنَّه المرادُ حتماً ألا يُرى إلى قولِه تعالى ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ فإنَّه استئنافٌ مسوقٌ لتقرير النَّفيِ المستفادِ منه قصداً وجارٍ مجرى الجوابِ عمَّا يوهمه الاستفهامُ صورةً فحيث كان هذا ناطقاً بنفيِ الوجودِ تعيّنَ أنْ يكونَ ذلك أيضاً كذلك قطعاً والفاءُ في قوله تعالى ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ لترتيبِ إنكارِ عدولهم عن التَّوحيدِ إلى الإشراكِ على ما قبلها كأنه قيل وإذا تبيَّن تفرُّده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمنْ أيِّ وجهٍ تُصرفون عن التَّوحيدِ إلى الشِّركِ وقوله تعالى
﴿وإن يكذبوك فقد كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ﴾ تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله ﷺ بين خطابي النَّاسِ مسارعةً الى تسليته ﷺ بعمومِ البليَّةِ أولاً والإشارةِ إلى الوعدِ والوعيدِ ثانياً أيْ وإن استمرُّوا على أنْ يكذِّبوك فيما بلَّغتَ إليهم من الحقِّ المُبين بعد ما أقمتَ عليهم الحجَّةَ وألقمتَهم الحجرَ فتأسَّ بأولئك الرُّسلِ في المُصابرةَ على ما أصابهُم من قبل قومِهم فوضعَ موضعهَ ما ذُكر اكتفاءً بذكرِ السَّببِ عن ذكرِ المسبَّبِ وتنكيرُ الرُّسل للتَّفخيمِ الموجبِ لمزيدِ التَّسليةِ والتَّوجهِ إلى المُصابرةِ أي رسلٌ أولو شأنٍ خطير وذوو عدد كثيرٍ ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ لا إلى غيرِه فيُجازِي كَّلاً منك ومنُهم بما أنتُم عليهِ من الأحوالِ التي من جملتها صبرُك وتكذيبُهم وفي الاقتصارِ على ذكرِ اختصاصِ المرجعِ بالله تعالى مع إبهامِ الجزاءِ ثواباً وعقاباً من المبالغةِ في الوعدِ والوعيدِ ما لا يخفى وقرئ تَرْجعُ بفتحِ التَّاءِ من الرُّجوع والأولُ أدخلُ في التهويلِ
﴿يا أيها الناس﴾ رجوعٌ إلى خطابِهم وتكريرُ النِّداءِ لتأكيدِ العظةِ والتَّذكير ﴿إِنَّ وَعْدَ الله﴾ المشارَ إليه برجعِ الأمورِ إليه تعالى من البعث والجزاء ﴿حَقّ﴾ ثابتٌ لا محالةَ من غيرِ خُلفٍ ﴿فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا﴾ بأنْ يُذهلكم التَّمتع بمتاعِها ويُلهيكم التَّلهي بزخارِفها عن تداركِ ما يهمكم يومَ حلولِ الميعادِ والمرادُ نهيُهم عن الاغترار بها وإنْ توجَّه النَّهيُ صورةً إليها كما في قوله تعالى لا يجر منكم شِقَاقِى ﴿وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله﴾ وعفوِه وكرمه تعالى ﴿الغرور﴾ أي المبالغُ في الغُرور وهو الشَّيطانُ بأنْ يمنيكم المغفرةَ مع الإصرارِ على المعاصِي قائلاً اعملوا ما شئتُم أَنَّ الله غَفُورٌ يغفِرُ الذُّنوبَ جميعاً فإنَّ ذلكَ وإنْ أمكنَ لكنْ تعاطي الذّنوبِ بهذا التَّوقعِ من قبيلِ تناولِ السُّمِّ تعويلاً على دفعِ الطَّبيعةِ وتكريرُ فعلِ النَّهي للمبالغةِ فيه ولاختلافِ الغرورينِ في الكيفية وقرئ الغُرور بالضَّمِّ على أنَّه مصدرٌ أو جمعُ غَارٍ كقعود جمع قاعد


الصفحة التالية
Icon