فاطر ١٢ ١٣ بسكونِ الميمِ ﴿إِلاَّ فِى كتاب﴾ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه اللَّوحُ وقيل عِلمُ الله عزَّ وجلَّ وقيل صحيفةُ كلِّ إنسانٍ ﴿إِنَّ ذلك﴾ أي ما ذكر من الخلقِ وما بعدَهُ مع كونِه محاراً للعقولِ والأفهامِ ﴿عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ لاستغنائِه عن الأسبابِ فكذلك البعثُ
﴿وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ مَثلٌ ضُرب للمؤمنِ والكافرِ والفُراتُ الذي يكسرُ العطشَ والسَّائغُ الذي يَسهلُ انحدارُه لعذوبتِه والأُجاج الذي يحرق بملوحته وقرئ سيِّغ كَسيِّد وسَيْغٌ بالتَّخفيفِ ومَلِح ككَتِفٍ وقوله تعالى ﴿وَمِن كُلّ﴾ أي من كلِّ واحدٍ منهما ﴿تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾ أي من المالحِ خاصَّةً ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ إمَّا استطرادٌ في صفةِ البحرينِ وما فيهما من النِّعمِ والمنافعِ وإمَّا تكملةٌ للتَّمثيلِ والمعنى كما أنَّهما وإن اشتركا في بعضِ الفوائدِ لا يتساويانِ من حيثُ أنَّهما متفاوتانِ فيما هو المقصودُ بالذَّاتِ من الماءِ لمَّا خالطَ أحدهما ما أفسدَه وغيَّره عن كمال فطرته لا يساوي الكافرُ المؤمنَ وإنْ شاركه في بعض الصِّفاتِ كالشَّجاعةِ والسَّخاوةِ ونحوهما لتباينهما فيما هو الخاصيَّةُ العُظمى لبقاء أحدهما على فطرته الأصليَّةِ وحيازتِه لكماله اللائقِ دون الآخر أو تفضيلٌ للأُجاجِ على الكافرِ من حيثُ أنَّه يشارك العذبَ في منافعَ كثيرةٍ والكافرُ خِلْوٌ من المنافعِ بالكُلِّية على طريقة قوله تعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذلك فَهِىَ كالحجارةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخرُجُ مِنْهُ الماء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله والمرادُ بالحلية اللؤلؤُ والمرجانُ ﴿وَتَرَى الفلك فِيهِ﴾ أي في كلَ منهما وإفرادُ ضميرِ الخطابِ مع جمعِه فيما سبقَ وما لحقَ لان الخطاب الكل حد تتأتَّى منه الرُّؤيةُ دونَ المنتفعينَ بالبحرينِ فَقَطْ ﴿مَوَاخِرَ﴾ شواقَّ للماءِ بجريها مقبلةً ومدبرةً بريحٍ واحدةٍ ﴿لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ من فضلِ الله تعالى بالنقلة فيها واللام متعلِّقة بمواخرَ وقد جُوِّز تعلُّقها بما يدلُّ عليه الأفعالُ المذكورةُ أي فعلَ ذلك لتبتغُوا مِن فَضْلِهِ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي ولتشكُروا على ذلك وحرفُ التَّرجِّي للإيذانِ بكونِه مرضياً عند الله تعالى
﴿يولج الليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار في الليل﴾ بزيادةِ أحدِهما ونقصِ الآخرِ بإضافةِ بعضِ أجزاءِ كلٌّ منهما إلى الآخَر ﴿وَسَخَّرَ الشمس والقمر﴾ عطفٌ على يُولج واختلافُهما صيغةً لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجددٌ حيناً فحيناً وأمَّا تسخِّيرُ النيرِّينِ فأمر لا تعدد فيه وإنَّما المتعددُ والمتجددُ آثارُه وقد أُشير إليهِ بقولِه تعالى ﴿كُلٌّ يَجْرِى﴾ أي بحسبِ حركتِه الخاصَّةِ وحركتِه القسرية على المدارات اليومية المُتعدِّدةِ حسب تعدُّدِ أيَّام السَّنةِ جَرياناً مستمرَّاً ﴿لاِجَلٍ مسمى﴾


الصفحة التالية
Icon