يس ٨ ١١ تعالى لإبليسَ عند قوله لأغوينَّهم أجمعين لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ منك وممن تبعك منهم أجمعين وهو المعنيُّ بقوله تعالى لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والنار والناس أجمعين كما يلوحُ به تقديمُ الجنة على النَّاسِ فإنَّه كما ترى قد أوقع فيه الحكم بإدخال جهنَّم على مَن تبعَ إبليسَ وذلك تعليلٌ له بتبعيته قطعاً وثبوت القولِ على هؤلاء الذين عبَّر عنهم بأكثرِهم إنَّما هو لكونِهم من جملة أولئك المصرِّين على تبعيَّةِ إبليسَ أبداً وإذ قد تبيَّن أنَّ مناطَ ثبوتِ القول وتحقُّقهِ عليهم إصرارُهم على الكُفرِ إلى الموتِ ظهر أنَّ قوله تعالى ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ متفرِّعٌ في الحقيقةِ على ذلك لا على ثُبوت القول وقوله تعالى
﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِى أعناقهم أغلالا﴾ تقريرٌ لتصميمهم على الكُفرِ وعدم ارعوائِهم عنه بتمثيلِ حالِهم بحال الذين غُلَّتْ أعناقُهم ﴿فَهِىَ إِلَى الاذقان﴾ أي فالأغلالُ منتهيةٌ إلى أذقانِهم فلا تدعُهم يلتفتونَ إلى الحقِّ ولاَ يَعطفونَ أعناقَهم نحوَه ولا يطأطئون رءوسهم له ﴿فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ رافعونَ رءوسهم غاضُّون أبصارَهم بحيثُ لا يكادُون يَروَن الحقَّ أو ينظرُون إلى جهتِه
﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ إمَّا تتَّمةٌ للتَّمثيل وتكميلٌ له أي تكميلٍ أي وجعلنا مع ما ذُكر من أمامهم سَدَّاً عظيماً ومن ورائهم سَدَّاً كذلك فغطينا بها أبصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرونَ على إبصارِ شيءٍ ما أصلاً وإمَّا تمثيلٌ مستقلٌّ فإنَّ ما ذُكر من جعلهم محصورينَ بين سَدَّينِ هائلين قد غطَّيا أبصارَهم بحيث لا يُبصرون شيئاً قطعاً كافٍ في الكشف عن كمال فظاعةِ حالِهم وكونِهم محبوسين في مطمورةِ الغيِّ والجهالاتِ محرومين عن النَّظرِ في الأدلَّةِ والآياتِ وقُرىء سُدَّاً بالضمِّ وهي لغةٌ فيه وقيل ما كان من عمل النَّاسِ فهو بالفتحِ وما كان من خلقِ الله فبالضمِّ وقُرىء فأعشينَاهم من العَشَا وقيل الآيتانِ في بني مخزومٍ وذلك أنَّ أبا جهلٍ حلف لئِن رأى رسولَ الله ﷺ يصلِّي ليرضخنَّ رأسَه فأتاه وهو يصلي ﷺ ومعه حجرٌ ليدمغَه فلَّما رفع يدَه انثنتْ يدُه إلى عنقِه ولزق الحجرُ بيده حتَّى فكُّوه عنها بجهدٍ فرجع إلى قومه فأخبرَهم بذلك فقال مخزوميٌّ آخرُ أنا أقتلُه بهذا الحجرِ فذهب فأَعمى الله تعالى بصرَهُ
﴿وسواء عليهم أأنذرتهم أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ بيانٌ لشأنِهم بطريق التَّصريحِ إثرَ بيانه بطريق التمثيل أي مستوٍ عندهم إنذارُك إيَّاهم وعدمُه حسبما مرَّ تحقيقُه في سورةِ البقرةِ وقوله تعالى ﴿لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ استئنافٌ مؤكِّدٌ لما قبله مبيِّنٌ لما فيه من إجمالِ ما فيه الاستواءُ أو حالٌ مؤكدةٌ له أو بدلٌ منه ولما بُيِّن كونَ الإنذارِ عندهم كعدمِه عقب ببيانِ من يتأثَّر منه فقيل
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ﴾ أي إنذاراً مستتبعاً للأثر ﴿مَنِ اتبع الذكر﴾ أي القُرآنَ بالتَّامُّلِ فيه أو الوعظِ ولم يصرَّ على اتِّباعِ خُطُوات الشَّيطانِ ﴿وَخشِىَ الرحمن بالغيب﴾ أي