يس ٢٣ ٢٧ بإيراده في معرض المُناصحةِ لنفسِه وإمحاض النُّصحِ حيثُ أراهم أنَّه اختارَ لهم ما يختارُ لنفسه والمرادُ تقريعُهم على ترك عبادةِ خالقِهم إلى عبادةِ غيرِه كما ينبىء عنه قوله ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ مبالغةً في التَّهديدِ ثمَّ عاد إلى المساق الاول فقال
﴿أأتخذ من دونه آلهة﴾ إنكارٌ ونفيٌ لاتِّخاذِ الآلهة على الإطلاق وقوله تعالى ﴿إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئاً﴾ أي لا تنفعني شيئا من النفع ﴿ولا يُنقِذُونَ﴾ من ذلك الضُّرِّ بالنصرة والمظاهرة استئناف سيق لتعليلٍ النَّفي المذكور وجعلُه صفةً لآلهةً كما ذهب إليه بعضُهم رُبَّما يُوهم أنَّ هناك آلهةً ليستْ كذلكَ وقُرىء إنْ يَردن بفتح الياءِ على معنى إنْ يُوردني ضراً أي يجعلنِي مورداً للضُّرِّ
﴿إِنّى إِذاً﴾ أي إذا اتخذتُ من دونه آلهةً ﴿لَفِى ضلال مُّبِينٍ﴾ فإنَّ اشراك ماليس من شأنِه النَّفعُ ولا دفعُ الضُّرِّ بالخالق المقتدرِ الذي لا قادرَ غيرُه ولا خيرَ إلا خيرُه ضلال بيِّن لا يَخْفى على أحدٍ ممَّن له تمييزٌ في الجملةِ
﴿إني آمنت بِرَبّكُمْ﴾ خطاب منه للرُّسلِ بطريق التَّلوينِ قيل لمَّا نصحَ قومَه بما ذُكر همُّوا برجمِه فأسرع نحوَ الرُّسلِ قبل أن يقتلُوه فقال ذلك وإنَّما أكَّده لإظهارِ صدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط واضاف الربَّ إلى ضميرِهم رَوْماً لزيادة التَّقريرِ وإظهاراً للاختصاصِ والاقتداء بهم كأنَّه قالَ بربِّكم الذي أرسلَكم أو الذي تدعُوننا إلى الإيمانِ به ﴿فاسمعون﴾ أي اسمعُوا إيمانيَ واشهدُوا لي به عند الله تعالى وقيل الخطابُ للكفرةِ شافههَم بذلك إظهاراً للتَّصلُّبِ في الدِّينِ وعدم المبالاة بالقتلِ وإضافةُ الرَّبِّ إلى ضميرهم لتحقيقِ الحقِّ والتَّنبيهِ على بُطلان ما هم عليه من اتِّخاذِ الأصنامِ أرباباً وقيل للنَّاس جميعاً
﴿قِيلَ ادخل الجنة﴾ قيل له ذلك لمَّا قتلُوه إكراماً له بدخولِها حينئذٍ كسائر الشُّهداءِ وقيل لما همُّوا بقتله رفعَه الله تعالى إلى الجنَّةِ قاله الحسنُ وعن قَتادةَ أدخلَه الله الجنَّةَ وهو فيها حيٌّ يُرزقُ وقيل معناه البُشرى بدخولِ الجنَّةِ وأنَّه من أهلِها وإنَّما لم يُقل له لأنَّ الغرضَ بيان المقول لا المقول له لظهوره وللمبالغةِ في المسارعةِ إلى بيانِه والجملةُ استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالِه ومقالهِ كأنَّه قيلَ كيفَ كان لقاءُ ربِّه بعد ذلك التصلُّب في دينه والتسخي بروحه لوجهه تعالى فقيل قيل ادخل الجنَّة وكذلك قوله تعالى ﴿قَالَ يَا ليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ﴾
﴿بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين﴾ فإنَّه جواب عن سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالهِ كأنَّه قيلَ فماذَا قالَ عند نيلِه تلك الكرامةَ السَّنيةَ فقيل قال الخ وإنما تمنَّى علَم قومه بحاله ليحملَهم ذلك عن اكتسابِ مثله


الصفحة التالية
Icon