يس ٢٨ ٣١ بالتَّوبةِ عن الكُفرِ والدخول في الإيمانِ والطَّاعةِ جرياً على سَننِ الأولياء في كظم الغيظ والتَّرحمِ على الأعداءِ أو ليعلموا أنهم كانُوا على خطأٍ عظيمٍ في أمره وأنَّه كان على الحقِّ وأنَّ عداوتَهم لم تكسبه إلاَّ سعادةً وقُرىء من المكرمين وما موصولةٌ أو مصدريةٌ والباء صلةُ يعلمون أو استفهاميةٌ وردت على الاصل والباء متعلِّقةٌ بغفرَ أي بأي شيءٍ غفرَ لي ربِّي يريدُ به تفخيمَ شأنِ المهاجرةِ عن ملَّتِهم والمصابرةِ على أذيَّتِهم
﴿وَمَا أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد قتلِه أو رفعِه ﴿مِن جُندٍ مّنَ السماء﴾ لإهلاكِهم والانتقامِ منهم كما فعلناه يوم بدر والخندق بل كفينا أمرَهم بصيحةِ مَلَكٍ وفيه استحقار لهم لاهلاكهم وإيماء إلى تفخيمِ شأن الرسول ﷺ ﴿وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ وما صحَّ في حكمتِنا أنْ ننزلَ لإهلاكِ قومِه جُنداً من السَّماءِ لما أنَّا قَدَّرنا لكلِّ شيءٍ سَبَباً حيثُ أهلكنا بعضَ مَن أهلكنا من الأُمم بالحاصبِ وبعضَهم بالصيحة وبعضَهم بالخسفِ وبعضَهم بالإغراقِ وجعلنا إنزالَ الجندِ من خصائصِك في الانتصارِ من قومك وقيل ما موصولة معطوفة على جندٍ أي وما كنَّا مُنزلين على مَن قبلهم من حجارةٍ وريحٍ وأمطارٍ شديدةٍ وغيرِها
﴿إِن كَانَتْ﴾ أي ما كانتْ الأخذةُ أو العقوبةُ ﴿إِلاَّ صَيْحَةً واحدة﴾ صاحَ بها جبريلُ عليه السَّلامُ وقُرىء إلاَّ صيحةٌ بالرَّفعِ على أنَّ كانَ تامة وقُرىء إلا زَقيةً واحدةً من زَقَا الطَّائرُ إذا صاحَ ﴿فَإِذَا هُمْ خامدون﴾ ميِّتُون شُبِّهوا بالنَّارِ الخامدةِ رمزا الى أنَّ الحيَّ كالنَّارِ السَّاطعةِ في الحَرَكةِ والالتهابِ والميِّتُ كالرماد كما قال لَبيدٌ... وَمَا المرءُ إلاَّ كالشَّهاب وضوئِه... يحورُ رَمَاداً بعدَ إذْ هُو ساطع...
(يا حسرة عَلَى العباد) تعالى فهذه من الأحوالِ التي حقُّها أنْ تحضرِي فيها وهي ما دل عليه قوله تعالى ﴿وَمَا يَأْتِيهِم من رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤون﴾ فإنَّ المستهزئينَ بالنَّاصحينَ الذين نيطت بنصائِحهم سعادةُ الدَّارينِ أحقَّاءُ بأنْ يتحسَّروا ويتحسَّرُ عليهم المتحسِّرون أو قد تلهَّفَ على حالهم الملائكةُ والمؤمنون من الثَّقلينِ وقد جُوِّز أنْ يكون تحسُّراً عليهم من جهةِ الله تعالى بطريق الاستعارةِ لتعظيم ما جنوه على أنفسِهم ويؤيِّده قراءةُ يَا حسرتَا لأنَّ المعنى يا حسرتِي ونصبُها لطولِها بما تعلَّق بها من الجارِّ وقيل بإضمارِ فعلِها والمنادى محذوف وقرىء ياحسرة العبادِ بالإضافةِ إلى الفاعلِ او المفعول ويا حسرة على العبادِ بإجراءِ الوصلِ مجرى الوقفِ
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ أي ألم يعلمُوا وهو معلَّقٌ عن العمل في قوله تعالى ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون﴾ لأنَّ كم لا يعملُ فيها ما قبلها وإنْ كانتْ خبريَّةً لأنَّ أصلَها الاستفهامُ خلا أنَّ معناه نافذٌ في الجُملةِ كما نفذَ في قولك ألم تَرَ إنَّ زيداً لمنطلقٌ وإن لم يعملْ في لفظه ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾


الصفحة التالية
Icon