يس ٤٢ ٤٥ عليه السَّلامُ وحملُ ذريَّاتِهم فيها حملُ آبائِهم الأقدمين وفي أصلابِهم هؤلاء وذرياتُهم وتخصيصُ أعقابِهم بالذَّكرِ دُونَهم لأنه أبلغَ في الامتنانِ وأدخلُ في التَّعجيبِ الذي عليه يدورُ كونُه آيةً
﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ﴾ ممَّا يماثلُ الفُلكَ ﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾ من الإبل فإنها سفائنُ البرِّ أو ممَّا يُماثل ذلك الفُلكَ من السُّفنِ والزَّوارقِ وجعلها مخلوقةً لله تعالى مع كونِها من مصنوعاتِ العبادِ ليس لمجرَّدِ كون صُنعِهم بأقدارِ الله تعالى وإلهامِه بل لمزيدِ اختصاصِ أصلِها بقُدرته تعالى وحكمته حسبما يُعرب عنه قولُه عزَّ وجلَّ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا والتَّعبيرُ عن مُلابستهم بهذه السُّفنِ بالرُّكوبِ لأنَّها باختيارهم كما أنَّ التعبيرَ عن مُلابسة ذُرِّيَّتهم بفُلكِ نوحٍ عليه السَّلامُ بالحَملِ لكونِها بغير شعورٍ منهم واختيارٍ
﴿وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ الخ من تمامِ الآيةِ فإنَّهم معترفون بمضمونِه كما ينطقُ به قولُه تعالى وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وقرئ نُغرِّقهم بالتَّشديدِ وفي تعليق الإغراقِ بمحض المشيئةِ إشعار بأنَّه قد تكامل ما يُوجب إهلاكَهم من معاصيهم ولم يبقَ آلاَّ تعلُّقُ مشيئتِه تعالى به أي إنْ نشأْ نغرقهم في اليمِّ مع ما حملناهم فيه من الفُلك فحديثُ خَلْقِ الإبل حينئذٍ كلامٌ جئ به في خلالِ الآيةِ بطريق الاستطرادِ لكمالِ التَّماثلَ بين الإبلِ والفُلكِ فكأنَّها نوعٌ منه أو مع ما يركبون من السُّفنِ والزَّوارقِ ﴿فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ﴾ أي فلا مُغيثَ لهم يحرسهم من الغَرَق ويدفعه عنهم قبل وقوعِه وقيل فلا استغاثةَ لهم من قولِهم أتاهم الصَّريخُ ﴿وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ﴾ أي ينجُّون منه بعد وقوعِه وقوله تعالى
﴿إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا وَمَتَاعاً﴾ استثناء مفرغ من أعم العللِ الشَّاملةِ للباعث المتقدِّمِ والغاية المتأخِّرةِ أي لا يغاثون ولا ينقذون لشئ من الأشياءِ إلا لرحمةٍ عظيمةٍ من قبلنا داعيةٍ إلى الإغاثةِ والانقاذِ وتمتيع بالحياة مترتِّب عليهما ويجوزُ أنْ يُرادَ بالرَّحمةِ ما يُقارن التَّمتيعَ من الرَّحمةِ الدُّنيويَّةِ فيكون كلاهما غايةً للإغاثةِ والانقاذِ أي لنوعٍ من الرحمة وتمتيع ﴿إلى حِينٍ﴾ أي إلى زمانٍ قُدِّر فيه آجالُهم كما قيل... ولم أسلمْ لكي أبقَى ولكن... سَلِمتُ من الحِمامِ إلى الحِمامِ...
﴿وإذا قيل لهم اتقوا﴾ بيانٌ لإعراضِهم عن الآياتِ التَّنزيليةِ بعد بيانِ إعراضِهم عن الآيات الآفافية التي كانُوا يشاهدونَها وعدم تأمُّلِهم فيها أيْ إذَا قيل لهم بطريقِ الإنذارِ بما نزل من الآيات أو بغيره اتَّقوا ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ من الآفاتِ والنَّوازلِ فإنَّها محيطة بكم أو ما يصيبكم من المكاره مِن حيثُ تحتسبون ومن حيثُ لا تحتسبون أو من الوقائع النَّازلةِ على الأُمم الخالية قبلكم والعذاب المعدِّ لكم في الآخرة أو من نوازل السَّماءِ ونوائب