الصافات
٦٣ - ٦٩ ﴿إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين﴾ محنةً وعذاباً لهم في الآخرة وابتلاء في الدُّنيا فإنَّهم لمَّا سمعوا أنَّها في النَّار قالوا كيف يمكن ذلك والنَّارُ تحرق الشَّجَر ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوانٍ يعيش في النَّارِ ويتلذذ بها افدر على خلق الشَّجرِ في النار وحفظه من الاحراق
﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم﴾ منبتُها في قعر جهنَّم وأغصانها ترتفعُ الى دركانها وقُرىء نابتةٌ في أصل الجحيم
﴿طَلْعُهَا﴾ أي حملُها الذي يخرج منها مستعار من طلع النَّخلةِ لمشاركته له في الشكل والطلوع من الشَّجرِ قالوا أوَّلُ التَّمرِ طَلعٌ ثم خِلالٌ ثم بلح ثم بسر ثم رُطَبٌ ثم تمرٌ ﴿كأنه رؤوس الشياطين﴾ في تناهي القُبح والهول وهو تشبيه بالمخيل كتشبيه الفائق في الحُسنِ بالمَلَك وقيل الشَّياطينُ الحيَّاتُ الهائلةُ القبيحةُ المنظر لها أعرافٌ وقيل إنَّ شجراً يقال له الأستنُ خشناً مُنتناً مُرًّا منكر الصُّورةِ يسمى ثمره رءوس الشَّياطينِ
﴿فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا﴾ أي من الشَّجرةِ أو من طلعِها فالتَّأنيثُ مكتسب من المضافِ إليه ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون﴾ لغلبة الجوعِ أو للقسرِ على أكلِها وإنْ كرهوها ليكونَ ذلك باباً من العذابِ
﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا﴾ على الشَّجرةِ التي ملأوا منها بطونهم بعد ما شبِعُوا منها وغلبهم العطشُ وطال استسقاؤهم كما يُنبىء عنه كلمةُ ثُمَّ ويجوز أنْ تكونَ لما في شرابهم من مزيدِ الكراهة والبشاعةِ ﴿لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ﴾ لشراباً من غسَّاقٍ أو صديدٍ مشُوباً بماءٍ حميمٍ يُقطِّع أمعاءهم وقُرىء بالضَّمِّ وهو اسم لما يُشاب به والأوَّلُ مصدر سُمِّي به
﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ﴾ أي مصيرَهم وقد قُرىء كذلك ﴿لإِلَى الجحيم﴾ لإلى دَرَكاتِها أو إلى نفسها فإنَّ الزَّقُّومَ والحميمَ نزلٌ يقدَّمُ إليهم قبل دخولها وقيل الحميمُ خارجٌ عنها لقوله تعالَى هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بينها وبين حميم آن يذهب بهم عن مقارِّهم ومنازلهم في الجحيمِ إلى شجرة الزَّقُّومِ فيأكلون منها الى ان يمتثلوا ثم يُسقون من الحميم ثم يُردُّون إلى الجحيم ويُؤيِّده أنَّه قُرىء ثمَّ إنَّ منقلبَهم
﴿إنهم ألفوا آباءهم ضَالّينَ﴾ تعليل لاستحقاقِهم ما ذُكر من فنونِ العذاب بتقليد الآباء في الدِّينِ من غير أن يكون لهم ولا لآبائِهم شيءٌ يتمسَّكُ به أصلاً أي وجدوهم ضالِّين في نفس