ص ٤٥ ٤٨ بأنَّه لو كانَ نبيَّاً لما ابُتلي بمثلِ ما ابُتلي به وإرادة القوَّة على الطَّاعةِ فقد بلغ أمرُه إلى أنْ لم يبقَ منه إلاَّ القلبُ واللِّسانُ ويُروى أنَّه عليه السلام قال في مناجاتِه إلهي قد علمتَ أنَّه لم يُخالفْ لساني قلبيَ ولم يتبع قلبي بصريَ ولم يهبني ما ملكتْ يميني ولم آكلْ إلا ومعي يتيم ولم أبتْ شبعانَ ولا كاسياً ومعي جائعٌ أو عريانُ فكشفَ الله تعالى عنه ﴿نِعْمَ العبد﴾ أي أيُّوبُ ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ تعليلٌ لمدحِه أيْ رجّاع إلى الله تعالى
﴿واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ﴾ عطفُ بيانٍ لعبادَنا وقرئ عبدَنا إمَّا على أنَّ إبراهيمَ وحدَهُ لمزيد شرفهِ عطفُ بيانٍ وقيل بدلٌ وقيل نُصبَ بإضمارِ أَعْنِي والباقيانِ عطفٌ على عَبدنا وإمَّا على أنَّ عبدَنا اسمُ جنسٍ وضعَ موضعَ الجمع ﴿أُوْلِى الايدى والابصار﴾ أُولي القوَّةِ في الطَّاعةِ والبصيرةِ في الدِّينِ أو أولي الأعمالِ الجليلةِ والعلومِ الشَّريفةِ فعبَّر بالأيدِي عن الأعمالِ لأنَّ أكثرَها تُباشر بها وبالأبصارِ عن المعارفِ لأنَّها أقوى مباديها وفيه تعريضٌ بالجَهَلةِ البطَّالينَ أنَّهم كالزمنى والعُماةِ وتوبيخٌ على تركِهم المجاهدةِ والتَّأمُّلِ مع تمكنهم منهما وقرئ أُولي الأيدِ بطرحِ الياءِ والاكتفاء بالكسر وقرئ أُولي الأيادِي على جمعِ الجمعِ
﴿إِنَّا أخلصناهم بِخَالِصَةٍ﴾ تعليلٌ لما وُصفوا به من شرفِ العُبودَّيةِ وعلوِّ الرُّتبةِ في العلم والعمل أي جعلناهم خالصينَ لنا بخصلةٍ خالصةٍ عظيمةَ الشَّأنِ كما ينبئ عنه التَّنكيرُ التَّفخيميُّ وقولُه تعالى ﴿ذِكْرَى الدار﴾ بيانٌ للخالصةِ بعد إبهامِها للتَّفخيم أي تذكرٍ للدَّارِ الآخرةِ دائماً فإنَّ خُلوصَهم في الطَّاعةِ بسببِ تذكُّرِهم لها وذلكَ لأنَّ مطمحَ أنظارِهم ومطرح أفكارِهم في كلِّ ما يأتونَ وما يذرون جوارُ الله عزَّ وجلَّ والفوزُ بلقائهِ ولا يتسنَّى ذلك إلاَّ في الآخرةِ وقيل أخلصناهُم بتوفيقِهم لها واللُّطفِ بهم في اختيارِها ويعضد الأولَ قراءةُ من قرأ بخالصتِهم وإطلاق الدَّارِ للإشعارِ بأنَّها الدَّارُ في الحقيقةِ وإنَّما الدُّنيا مَعْبرٌ وقرئ بإضافةِ خالصةٍ إلى ذِكرى أي بما خلُص من ذِكرى الدَّارِ عَلى مَعْنى أنهُم لا يشوبون ذكراهابهم آخرَ أصلاً أو تذكيرهم الآخرةَ وترغيبُهم فيها وتزهيدُهم في الدُّنيا كما هو شأنُ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيلَ ذِكرى الدَّارِ الثَّناءُ الجميلُ في الدُّنيا ولسانُ الصِّدقِ الذي ليس لغيرِهم
﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الاخيار﴾ لمن المُختارين من أمثالِهم المصطَفَين عليهم في الخيرِ والأخيار جمعُ خَيْرٍ كشرَ وأشرارٍ وقيل جمعُ خَيِّرٍ أو خَيْرٍ مُخفَّفٍ منْهُ كأمواتٍ في جمعِ مَيِّتٍ ومَيْتٍ
﴿واذكر إسماعيل﴾ فُصلَ ذكرُه عن ذكر أبيه وأخيه للإشعارِ بعراقتِه في الصَّبرِ الذي هُو المقصودُ بالتَّذكيرِ ﴿واليسع﴾ هو ابن خطوب بنِ العجوزِ استخلفَه الياسُ على بني إسرائيلَ ثم استنبئ واللامُ فيه حرفُ تعريفٍ دخلَ على يسع كما في قول من