غافر ١٦ ١٧ تعالَى مِنْ أَمْرِهِ بيانٌ للروحِ الذي أريدَ بهِ الوحيُ فإنَّه أمرٌ بالخيرِ أو حال منه أي حالَ كونِه ناشئاً ومبتدأً منْ أمرِهِ أو صفةٌ له على رأي من يجوِّز حذفَ الموصول مع بعضِ صلتِه أي الروحَ الكائنَ منْ أمرهِ أو متعلق بباقي ومِنْ للسببيةِ كالباءِ مثلُ ما في قوله تعالى مّمَّا خطيئاتهم أي يُلقِي الوحيَ بسببِ أمرهِ ﴿على مَن يَشَاء مِنْ عباده﴾ وهوَ الذي اصطفاهُ لرسالتِه وتبليغِ أحكامِه إليهمْ ﴿لّيُنذِرَ﴾ أي الله تعالَى أو الملقى عليه أو الروح وقرىء لتنذر على أن الفاعل هو الرسول ﷺ أو الرُّوحُ لأنَّها قد تؤنث ﴿يَوْمَ التلاق﴾ إما ظرفٌ للمفعولِ الثانِي أي لينذر الناس العذاب يوم التلاقِ وهو يومُ القيامةِ لأنَّه يتلاقَى فيهِ الأرواحُ والأجسامُ وأهلُ السمواتِ والأرضِ أو هو المفعول الثاني اتساعاً أوْ أصالةً فإنَّه منْ شدةِ هولِه وفظاعتِه حقيقٌ بالإنذارِ أصالةً وقُرىَء ليُنْذرَ عَلَى البناءِ للمفعولِ ورفعِ اليومِ
﴿يَوْمَ هُم بارزون﴾ بدلٌ منُ يومِ التلاقِ أيْ خارجونَ من قبورِهم أو ظاهرونَ لا يستُرهُم شيءٌ من جبلِ أو أَكَمةٍ أوْ بناءٍ لكونِ الأرضِ يومئذٍ قاعاً صفصفاً ولاَ عليهمُ ثيابٌ إنما هُم عراةٌ مكشوفونَ كما جاءَ فِي الحديثِ يحشرونَ عُراةً حُفاه غُرْلا وقيلَ ظاهرةٌ نفوسُهم لا تحجبُهم غواشِي الأبدانِ أوْ أعمالُهم وسرائرُهم ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْء﴾ استئنافٌ لبيانِ بروزِهم وتقريرٌ له وإزاحةٌ لما كان يتوهمُّه المتوهمونَ في الدُّنيا من الاستنار توهماً باطلاً أو خبرٌ ثانٍ وقيلَ حالٌ منْ ضميرِ بارزونَ أيْ لا يخفى عليه شيءٌ مَا منْ أعيانِهم واعمالهم واحوالهم الجلية والخفيةِ السابقةِ واللاحقةِ ﴿لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الواحد القهار﴾ حكايةٌ لمَا يقعُ حينئذٍ منَ السؤال والجوابِ بتقديرِ قولٍ معطوفٌ على ما قبله من الجملة المنفيةِ المستأنفةَ أو مستأنفٌ يقعُ جوابا عنْ سؤالٍ نشأَ منْ حكايةِ بروزِهم وظهورِ أحوالِهم كأنَّه قيلَ فماذَا يكونُ حينئذٍ فقيلَ يقالُ الخ أيْ يُنادِي مناد لمن الملك اليوم فيجيبُهُ أهلُ المحشرِ لله الواحدِ القهارِ وقيلَ المجيبُ هُوَ السائلُ بعينِه لما رُوي أنَّه يجمعُ الله الخلائقَ يومَ القيامةِ في صعيدٍ واحدٍ في أرضٍ بيضاءَ كأنَّها سبيكةُ فضةٍ لم يعصَ الله فيَها قطُّ فأولُ ما يتكلُم بهِ أنْ ينادِيَ منادٍ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الواحدِ القهارِ وقيلَ حكايةً لما ينطِق بهِ لسانُ الحالِ من تقطعِ أسبابِ للتصرفات المجازيةِ واختصاصِ جميعِ الأفاعيلِ بقبضةِ القدرةِ الإلهيةِ
﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ إلخ إمَّا منْ تتمةِ الجوابِ لبيانِ حكمِ اختصاصِ المُلك بهِ تعالَى ونتيجتِه التي هيَ الحكُم السويُّ والقضاءُ الحقُّ أوْ حكايةً لِمَا سيقولُه تعالى يومئذٍ عقيبَ السؤالِ والجوابِ أيْ تُجزى كُلُّ نَفْسٍ منَ النفوسِ البرة الفاجرة بِمَا كَسَبَتْ منْ خَيرٍ أوْ شرَ ﴿لاَ ظُلْمَ اليوم﴾ بنقصِ ثوابٍ أوْ زيادةِ عذابٍ ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أيْ سريعٌ حسابُه تماماً إذْ لا يشغلُه تعالَى شأنٌ عنْ شأنٍ فيحاسبُ الخلائقَ قاطبةً في أقربِ زمانٍ كما نُقلَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنه تعالَى إذَا أخذَ في حسابِهم لم يقِلْ أهلُ الجنةِ إلاَّ فيهَا ولا أهلُ النارِ إلا فيهَا فيكون تغليلا لقولِه تعالَى اليومَ تُجزى الخ فإنَّ كونَ ذلكَ اليومِ بعينِه يومَ التلاقِي ويوم البروز ربما يوهم استبعادَ وقوعِ الكُلِّ