غافر ٢٩ ٣٣ مسرفٌ كذَّابٌ لا يهديِه الله سبيلَ الصوابِ ومنهاجَ النجاة
﴿يا قوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين﴾ غالبينَ عالينَ عَلى بني إسرائيلَ ﴿فِى الأرض﴾ أي أرضِ مصرَ لا يُقاومكُم أحدٌ في هذا الوقتِ ﴿فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله﴾ من أخذِه وعذابِه ﴿إِن جَاءنَا﴾ أي فَلاَ تُفسدُوا أمرَكُم ولا تتعرضُوا لبأس الله بقتله فإن جاءَنا لم يمنعنا منه أحدٌ وإنَّما نسبَ ما يسرُّهم من المُلكِ والظهورِ في الأرضِ إليهم خَاصَّة ونظمَ نفسَهُ في سلكِهم فيما يسوؤُهم من مجىء بأسِ الله تعالى تطييباً لقلوبهم وايذانا بأنه مناصح لهم ساعٍ في تحصيلِ ما يُجديهم ودفعِ ما يُرديهم سعيَهُ في حقِّ نفسه ليتأثروا بنصحِه ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ بعد ما سَمِع نُصحَهُ ﴿مَا أُرِيكُمْ﴾ أيْ ما أُشيرُ عليكُم ﴿إِلاَّ مَا أرى﴾ وأستصوبُهُ مِنْ قتلِه ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ﴾ بهذَا الرَّأي ﴿إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد﴾ أي الصوابِ اولا أُعلِّمُكم إلاَّ ما أعلمُ ولا أُسرُّ عنكُم خلافَ ما أُظهرُهُ ولقدْ كذبَ حيثُ كانَ مستشعراً للخوفِ الشديدِ ولكنَّه كان يتجلدُ ولولاهُ لما استشارَ أحداً أبداً وقُرِىءَ بتشديدِ الشِّينِ للمبالغةِ من رشُد كعلاّم أو من رشَد كعبّاد لامن أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصورٌ على السماع أو للنسبة إلى الرُّشْد كعوّاج وبتَّات غيرَ منظور فيه إلى فَعْل
﴿وقال الذي آمن﴾ مخاطبا لقومه ﴿يا قوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ في تكذيبه والتعرض له بالسوءِ ﴿مّثْلَ يَوْمِ الأحزاب﴾ مثلَ أيامِ الأممِ الماضيةِ يعني وقائِعَهُم وجمعُ الأحزابِ مع التفسيرِ أغنى عَن جمعِ اليومِ
﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ أيْ مثلَ جزاءِ ما كانوا عليهِ من الكفرِ وإيذاءِ الرُّسلِ ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ كقومِ لوطٍ ﴿وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ﴾ فَلا يُعاقبُهم بغيرِ ذنبٍ ولا يُخلّي الظالَم منُهم بغيرِ انتقامِ وهُو أبلغُ من قولِه تعالى وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ لما أنَّ المنفيّ فيهِ إرادةُ ظلمٍ مَا ينتفي الظلم بطريق الاولوية
﴿ويا قوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد﴾ خوَّفهم بالعذابِ الأُخروي بعدَ تخويفِهم بالعذابِ الدنيويِّ ويومُ التنادِ يومُ القيامةِ لأنَّه يُنادِي فيهِ بعضُهم للاستغاثةِ أو يتصايحونَ بالويلِ والثبورِ أو يتنادَى أصحابُ الجنةِ وأصحابُ النارِ حسبَما حُكِيَ في سورةِ الأعرافِ وقُرِىءَ بتشديدِ الدَّالِ وهُو أنْ ينِدَّ بعضُهم من بعضٍ كقولِه تعالى يَوْمَ يَفِرُّ المرء من أخيه وعنِ الضحَّاكِ إذا سمعُوا زفير النار هَرَباً فلا يأتونَ قُطراً من الأقطارِ إلاَّ وجدُوا ملائكةً صفوفاً فبينَا هُم بموج بعضهم في بعضِ إذْ سمعُوا مُنادياً أقِبلوا إلى الحسابِ
﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ بدلٌ من يومَ التنادِ أي منصرفينَ عن الموقفِ إلى النارِ أو فارينَ منها حسبما نقل آنفا