غافر ٣٨ ٤٢ لا يقْوَى عليهِ الإنسانُ وما ذاكَ إلا لجهلِه بالله سبحانَهُ وكيفيِة استنبائِه ﴿وَإِنّى لاَظُنُّهُ كاذبا﴾ فيَما يدعيه من الرسالة أيْ ومثلَ ذلكَ التزيينِ البليغِ المُفْرطِ ﴿زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ﴾ فانهمكَ فيهِ انهماكاً لا يرْعَوِي عنه بحال ﴿وَصُدَّ عَنِ السبيل﴾ أي سبيلِ الرشادِ والفاعلُ في الحقيقةِ هُو الله تعالَى ويؤيدُه قراءة زبن بالفتح وبالتوسط لشيطان وقُرِىءُ وصَدَّ على أنَّ فرعونَ صدَّ الناسَ عنِ الهُدى بأمثالِ هذهِ التمويهاتِ والشبهاتِ ويُؤيدُه قولُه تعالى ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ﴾ أي خسَارٍ وهلاكِ أو على أنَّه من صَدَّ صُدوداً أي أعرضَ وقُرِىءَ بكسرِ الصَّادِ على نقلِ حركةِ الدَّالِ إليهِ وقُرِىءَ وصَدٌّ على أنَّه عطفٌ على سوءُ عملِه وقُرِىءَ وصَدُّوا أيْ هُو وقومُهُ
﴿وقال الذي آمن﴾ أي مؤمنُ آلِ فرعونَ وقيلَ مُوسَى عليهِ السَّلامُ ﴿يا قوم اتبعون﴾ فيما دَللْتكُم عليهِ ﴿أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد﴾ أيْ سبيلاً يصلُ سالكُه إلى المقصودِ وفيه تعريضٌ بأنَّ ما يسلُكُه فرعونُ وقومُه سبيل الغي والضلال
﴿يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع﴾ أي تمتعٌ يسيرٌ لسرعةِ زوالِها أجملَ لَهمُ أولاً ثمَّ فسرَ فافتتحَ بذمِّ الدُّنيا وتصغيرِ شأنِها لأنَّ الإخلادَ إليها رأسُ كلِّ شرَ ومنه تتشعبُ فنونُ ما يُؤدِّي إلى سخطِ الله تعالَى ثمَّ ثنَّى بتعظيمِ الآخرةِ فقالَ ﴿وَإِنَّ الأخرة هِىَ دَارُ القرار﴾ لخلودِها ودوامِ ما فيها
﴿مِنْ عَمَلٍ﴾ في الدُّنيا ﴿سَيّئَةً فَلاَ يجزى﴾ في الآخرةِ ﴿إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ عدلاً من الله سبحانَهُ وفيه دليلٌ على أنَّ الجناياتِ تُغْرمُ بأمثالِها ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ﴾ الذينَ عملِوا ذلَك ﴿يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أيْ بغيرِ تقديرٍ وموازنةٍ بالعملِ بَلْ أضعافاً مُضاعفةً فضلاً من الله عزَّ وجلَّ ورحمةً وجعلُ العملِ عمدةً والإيمانِ حالاً للإيذانِ بأنَّه لا عبرةَ بالعملِ بدونِه وأنَّ ثوابَهُ اعلى من ذلك
﴿ويا قوم مَا لِى أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار﴾ كرر نداءهم ايفاظا لهم عن سنة الغفلة واعتناء بالمنادى له ومبالغة في توبيخهم على ما يقالون به نصحَهُ ومدارُ التعجبِ الذي يلوح الاستفهامُ دعوتُهم إيَّاهُ إلى النارِ ودعوته إياهم إلى النجاة كأنه قيل أخبروني كيف هذه الحال أدعوكم إلى الخير وتدعونني إلى الشرِّ وقد جعلَه بعضهم من قبيل مالي اراك حزيناً وقولُه تعالَى
﴿تَدْعُونَنِى لاَكْفُرَ بالله﴾ بدلٌ أو بيانٌ فيه تعليلٌ والدعاءُ كالهدايةِ في التعديةِ بإلى واللامِ ﴿وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ علم﴾ بشركتِه له تعالى في المعبوديةِ وقيل بربوبيتِه ﴿عِلْمٍ﴾ والمرادُ نفيُ المعلومِ والإشعارُ بأنَّ الألوهيةَ لا بُدَّ لها من بُرهانٍ موجبٍ


الصفحة التالية
Icon