غافر ٦٥ ٦٨ فإنَّ الإحسانَ عينُ التصويرِ أي صوَّركُم أحسنَ تصويرٍ حيث خلقكم منتصب القامةِ باديَ البَشَرةِ متناسبَ الاعضاء والتخططات متهيئاً لمزاولةِ الصنائعِ واكتسابِ الكمالاتِ ﴿وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات﴾ أي اللذائذِ ﴿ذلكم﴾ الذي بغت بما ذُكِرَ من النعوتِ الجليلة ﴿الله ربكم﴾ خبر ان لذلكُم ﴿فَتَبَارَكَ الله﴾ أي تعالَى بذاتِه ﴿رَبّ العالمين﴾ أي مالكُهم ومربيِهم والكلُّ تحتَ ملكوتِه مفتقرٌ إليه في ذاتِه ووجودِه وسائرِ أحوالِه جميعاً بحيثُ لو انقطعَ فيضُه عَنه آناً لانعدمَ بالكليةِ
﴿هُوَ الحى﴾ المتفردُ بالحياةِ الذاتية الحقيقية ﴿لا إله إلا هو﴾ إذْ لاَ موجودَ يدانيهِ في ذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ ﴿فادعوه﴾ فاعبدُوه خاصَّةً لاختصاصِ ما يُوجبه به تعالَى ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي الطاعةَ من الشركِ الجليِّ والخفيِّ ﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ أيْ قائلينَ ذلكَ عن ابن عباس رضي الله عنُهمَا مَنْ قالَ لاَ إله إلا الله فليقُلْ علَى أثرِها الحُمد للَّهِ رَبّ العالمينَ
﴿قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَاءنِى البينات مِن رَّبّى﴾ من الحججِ والآياتِ أو من الآياتِ لكونِها مؤيدةً لأدلةِ العقلِ منبهةً عليها فإنَّ الآياتِ التنزيليةَ مفسراتٌ للآياتِ التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفُسية ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ العالمين﴾ أيْ بأنْ أنقادَ لهُ وأخلصَ له دِيني
﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ﴾ أيْ في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مراراً ﴿ثُمَّ مِن نطفة﴾ أي ثم خلقكم خلقا تفصيليا من نطفة أي منيَ ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي أطفالاً والإفراد لإرادة الجنسِ أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ﴾ علةٌ ليخرجَكم معطوفةٌ على علةٍ أخرى له مناسبة لها كأنه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلاً لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا كمالكم في القوة والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى ﴿ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً﴾ ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا وقُرِىءَ شيخاً كقولِه تعالَى طِفْلاً ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ﴾ أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضاً ﴿وَلِتَبْلُغُواْ﴾ متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا ﴿أَجَلاً مُّسَمًّى﴾ هُو وقتُ الموتِ أو يومَ القيامةِ بفعل ذلكَ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر
﴿هو الذي يحيي﴾ الأمواتَ ﴿وَيُمِيتُ﴾ الأحياءَ أو الذي يفعل الاحياء والامانة ﴿فَإِذَا قضى أَمْرًا﴾ أي أرادَ أمراً من الأمورِ ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلاً وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قدرته في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ


الصفحة التالية
Icon