العنكبوت ٧ ٩ إليها ﴿إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين﴾ فلا حاجةٍ له إلى طاعتِهم وإنَّما أمرهم بها تعريضاً لهم للثَّوابِ بموجب رحمتِه
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ﴾ الكفرَ بالإيمانِ والمعاصيَ بما يتبعُها من الطَّاعاتِ ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي أحسنَ جزاءِ أعمالهم لا جزاء أحسر أعمالِهم فقط
﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ أي بإيتاء والديهِ وإيلائهما فعلاً ذَا حُسنٍ أو ما هو في حدِّ ذاته حسنٌ لفرطِ حُسنِه كقولِه تعالى وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا ووصَّى يجري مجرى أمرَ معنى وتصرُّفاً غيرَ أنَّه يُستعمل فيما كان في المأمورِ به نفعٌ عائدٌ إلى المأمورِ أو غيرِه وقيل هُو بمعنى قال فالمعنى وقلنا أحسِنْ بوالديك حُسنا وقيل انتصابُ حُسنا بمضمرٍ على تقدير قولٍ مفسِّرٍ للتَّوصيةِ أي وقُلنا أوْلِهما أو افعلْ بهما حُسنا وهو أوفق لما بعدَه وعليه يحسنُ الوقفُ على بوالديه وقرئ حسناً وإحساناً ﴿وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي بالهيته عبَّر عن نفيها بنفيِ العلمِ بها للإيذان بأنَّ ما لا يعلم صحته لا يجوزُ اتِّباعُه وإنْ لم يُعلم بطلانُه فكيف بما عُلم بطلانُه ﴿فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ في ذلك فإنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ ولا بُدَّ من إضمارِ القولِ إن لم يُضمر فيما قبل وفي تعليقِ النَّهي عن طاعتهما بمجاهدتهما في التكاليف إشعارٌ بأنَّ موجبَ النَّهي فيما دونها من التَّكليفِ ثابت بطريقِ الأولويَّةِ ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي مرجعُ مَن آمن منكُم ومَن أشركَ ومن برَّ بوالديِه ومن عقَّ ﴿فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تعملون﴾ بأن أجازي كلا منكم بعملِه إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شرا فشر والآيةُ نزلتْ في سعدَ بنَ أبي وقاصٍ رضي الله تعالى عنه عند إسلامِه حيثُ حلفت أمُّه حمنهُ بنتُ أبي سفيانَ ابن أُميَّة أن لا تنتقلَ من الضحِّ إلى الظلِّ ولا تَطعمُ ولا تشربُ حتَّى يرتدَّ فلبثتْ ثلاثةَ أيامٍ كذلك وكذا التي في سُورة لقمانَ وسورةِ الأحقافِ وقيل نزلتْ في عياشَ بنَ أبي ربيعةَ المخزُومي وذلك أنه هاجر مع عمرَ بنِ الخطَّاب رضي الله عنه حتَّى نزلا المدينةَ فخرجَ أبو جهل والحرث أخواه لأمِّه أسماء فنزلا بعيَّاش وقالا له إن من دين محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلم صلةَ الأرحامِ وبرَّ الوالدينِ وقد تركتَ أمَّك لا تطعمُ ولا تشربُ ولا تأوي بيتاً حتَّى تراك فاخرجْ معنا وفتلا منه في الذِّروة والغاربِ واستشار عمر رضي الله عنه فقال هُما يخدعانِك ولك على أنْ أقسمَ مالي بيني وبينك فما زالا به حتَّى أطاعهما وعصى عمر رضي الله عنه فقال عمرُ رضي الله عنه أما إذا عصيتني فخذنا فتى فليس في الدُّنيا بعيرٌ يلحقها فإنْ رابك منهما ريبٌ فارجع فلمَّا انتهَوا إلى البيداءِ قال أبوُ جهل إن ناقتي قد كلَّت فاحملني معك فنزل ليوطئ لنفسِه وله فأخذاه فشدَّاه وثاقاً وجلده كلُّ واحدٍ مائةَ جلدةٍ وذهبا به إلى أمِّه فقالت لا تزالُ في عذاب حتَّى ترجعَ عن دينِ محمَّدٍ
﴿والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصالحين﴾