الرُّوم ٥ ٧ غلبتْ على ريفِ الشامِ وسيغلبُهم المسلمونَ وقد غَزَاهُم المسلمون في السَّنةِ التَّاسعةِ من نزولِها ففتحُوا بعضَ بلادِهم فإضافةُ الغَلَب حينئذٍ إلى الفاعلِ ﴿لِلَّهِ الامر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ أي في أولِ الوقتينِ وفي آخرِهما حين غُلبوا وحين يغلِبون كأنَّه قيل من قبلِ كونِهم غالبينَ وهو وقتُ كونِهم مغلوبينَ ومن بعدِ كونِهم مغلوبينَ وهو وقتُ كونِهم غالبينَ والمعنى أنَّ كلاًّ من كونِهم مغلوبينَ أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمرِ الله تعالى وقضائِه وَتِلْكَ الايام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس وقُرىء منْ قُبلُ ومن بعدِ بالجرِّ من غيرِ تقديرِ مُضافٍ إليهِ واقتطاعِه كأنَّه قيل قبلاً وبَعْداً بمعنى أولاً وآخِراً ﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ أي يومَ إذْ يغلبُ الرُّومُ على فارسَ ويحلُّ ما وعدَه الله تعالى من غلبتِهم ﴿يَفْرَحُ المؤمنون﴾
﴿بِنَصْرِ الله﴾ وتغليبِه من له كتابٌ على من لا كتابَ له وغيظِ من شمِت بهم من كفَّار مكَّةَ وكونِ ذلك من دلائلِ غلبةِ المؤمنينَ على الكفَّار وقيل نصرُ الله إظهارُ صدقِ المؤمنينَ فيما أخبرُوا به المشركينَ من غَلَبة الرُّومِ على فارسَ وقيل نصرُه تعالى أنَّه ولَّى بعضَ الظَّالمين بعضاً وفرَّق بين كلمتِهم حتَّى تناقصُوا وتفانوا وفلَّ كل منهم شوكةَ الآخرِ وفي ذلك قوَّةٌ وعن أبي سعيدٍ الخدريُّ رضيَ الله عنه أنَّه وافقَ ذلك يومَ بدرٍ وفيهِ من نصرِ الله العزيزِ للمؤمنينَ وفرحِهم بذلك مالا يَخْفى والأولُ هو الأنسبُ لقولِه تعالى ﴿يَنصُرُ مَن يشاء﴾ أي من يشاء أن ينصره من عبادِه على عدوِّه ويُغلِّبه عليهِ فإنَّه استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ قولِه تعالى الله الامر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴿وَهُوَ العزيز﴾ المبالغُ في العزَّةِ والغَلَبةِ فلا يُعجزه مَن يشاءُ أنْ ينصرَ عليهِ كائناً مَن كان ﴿الرحيم﴾ المبالِغُ في الرَّحمةِ فينصرُ من يشاءُ أنْ ينصرَه أيَّ فريقٍ كان والمرادُ بالرَّحمةِ هي الدُّنيوية أمَّا على القراءةِ المشهُورة فظاهرٌ لما أنَّ كِلا الفريقينِ لا يستحقُّ الرَّحمةَ الأُخرويَّةَ وأمَّا على القراءةِ الأخيرةِ فلأنَّ المُسلمينَ وإنْ كانُوا مستحقِّين لها لكن المراد ههنا نصرُهم الذي هُو من آثارِ الرَّحمةِ الدُّنيويةِ وتقديمُ وصفِ العزَّةِ لتقدمِه في الاعتبارِ
﴿وَعَدَ الله﴾ مصدرٌ مؤكدٌ لنفسِه لأنَّ ما قبله في مَعنى الوعدِ كأنَّه قيل وعد الله وعدا ﴿لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ﴾ أيَّ وعدٍ كانَ ممَّا يتعلَّقُ بالدُّنيا والآخرةِ لاستحالةِ الكذبِ عليهِ سبحانَه وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمارِ لتعليلِ الحُكْمِ وتفخيمِه والجملةُ استئنافٌ مقررٌ لمعنى المصدرِ وقد جُوِّز أنْ تكونَ حالاً منه فيكونَ كالمصدرِ الموصوفِ كأنَّه قيل وعدا الله غيرَ مُخلفٍ ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أيْ ما سبق من شئونه تعالى
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا﴾ وهو ما يُشاهدونَهُ من زخارِفها وملاذِّها وسائرِ أحوالِها الموافقةِ لشهواتِهم الملائمةِ لاهوائهم المستدعية لانهما كهم فيها وعكوفِهم عليها لا تمتعهم بزخارِفها وتنعمهم بملاذِّها كما قيلَ فإنَّهما ليسا ممَّا علمُوه منها بل من أفعالِهم المترتبةِ على علومِهم وتنكيرُ ظاهراً للتَّحقيرِ والتخسيس


الصفحة التالية
Icon