الروم ١١ ١٥ وُضع الموصولُ موضعَ ضميرِهم للتَّسجيلِ عليهم بالإساءةِ والإشعارِ بعلَّةِ الحكمِ ﴿السَّوأى﴾ أي العقوبةِ التي هي أسوأُ العقوبات وأفظعها التي هي العقوبةُ بالنارِ فإنَّها تأنيثُ الأسوأِ كالحُسنى تأنيثُ الأحسنِ أو مصدرٌ كالبُشرى وُصفَ به العقوبةُ مبالغةً كأنَّها نفس السوأى وهي مرفوعةٌ على أنَّها اسمُ كانَ وخبرُها عاقبةَ وقُرىء عَلى العكسِ وهو أدخلُ في الجَزَالةِ وقولُه تعالى ﴿أَنْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾ علة لماء أُشير إليه من تعذيبِهم الدُّنيويِّ والأُخرويِّ أي لأنْ كذَّبُوا أو بأنْ كذَّبُوا بآياتِ الله المنزَّلةِ على رسله عليهم الصلاة والسلام ومعجزاتِه الظَّاهرةِ على أيديهم وقولُه تعالى ﴿وَكَانُواْ بِهَا يستهزؤون﴾ عطفٌ على كذَّبوا داخلٌ معه في حُكمِ العِلِّيةِ وإيرادُ الاستهزاءِ بصيغةِ المضارعِ للدِّلالةِ على استمرارِه وتجدُّدِه هذا هو اللائقُ بجزَالةِ النَّظمِ الجليلِ وقَدْ قيلَ وقيل
﴿الله يَبْدَأُ الخلق﴾ أي يُنشئهم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بعد الموتِ بالبعثِ ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ إلى موقفِ الحسابِ والجزاءِ والالتفاتُ للمُبالغةِ في التَّرهيبِ وقُرىء بالياءِ
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة﴾ التي هي وقتُ إعادة الخلق ورجعهم إليه ﴿يُبْلِسُ المجرمون﴾ أي يسكُتون مُتحيِّرينَ لا ينبِسُون يقال ناظرتُه فأبلسَ إذا سكتَ وأيسَ من أنْ يحتجَّ وقُرىء بفتحِ اللامِ من أبلسَه إذا أفحمَه وأسكتَه
﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء﴾ يجيرونَهم من عذابِ الله تعالى كما كانُوا يزعمونَه وصيغةُ الجمعِ لوقوعِها في مقابلةِ الجمعِ أي لم يكُن لواحدٍ منهم شفيعٌ أصلاً ﴿وَكَانُواْ بشركائهم كافرين﴾ أي بإلهيتهم وشركتهم لله سبحانه حيثُ وقفُوا على كُنهِ أمرِهم وصيغةُ الماضِي للدِّلالةِ على تحقُّقِه وقيلَ كَانُواْ في الدُّنيا كافرين بسببِهم وليسَ بذاكَ إذْ ليسَ في الإخبارِ به فائدةٌ يعتدُّ بها
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة﴾ أُعيدَ لتهويلِه وتفظيعِ ما يقعُ فيه وقولُه تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ تهويلٌ له إثرَ تهويلٍ وفيه رمزٌ إلى أنَّ التَّفرقَ يقعُ في بعضٍ منه وضميرُ يتفرَّقُون لجميعِ الخلقِ المدلولِ عليهم بما تقدَّمَ من بدئِهم وإعادتِهم ورجعِهم لا المجرمون خاصَّة وليسَ المرادُ بتفرُّقِهم افتراقَ كلِّ فردٍ منهم عن الآخرِ بل تفرُّقَهم إلى فريقَيْ المؤمنينَ والكافرينَ كما في قوله تعالى فريق فى الجنة وفريق فِى السعير وذلك بعد تمامِ الحسابِ وقولُه تعالى
﴿فأما الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ تفصيلٌ وبيانٌ لأحوالِ ذينكَ الفريقينِ والرَّوضةُ كلُّ أرضٍ ذاتِ نباتٍ وماءٍ ورَوْنقٍ ونَضارةٍ وتنكيرُها للتَّفخيم والمرادُ بها الجَّنةُ والحُبورُ السُّرورُ يقال حبرَهُ إذا سرَّهُ سُروراً تهلَّل له وجهُه وقيل الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين واختفلت فيه الأقاويلُ لاحتمالِه وجوهَ جميع المسارفعن ابنِ عبَّاسٍ ومُجاهدٍ يُكرمون وعن قتادة