الروم ٢٢ لأجلِكم ﴿مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا﴾ فإنَّ خلق أصلِ أزواجكم حواءَ من ضِلْعِ آدمَ عليه السَّلام متضمن لخلقهنَّ من أنفسكم على ما عرفته من التَّحقيقِ أو من جنسكم لا من جنسٍ آخرَ وهو الأوفقُ لقولِه تعالى ﴿لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا﴾ أي لتألفُوها وتميلُوا إليها وتطمئنُّوا بها فإنَّ المُجانسةَ من دَوَاعي التَّضامِّ والتَعارفِ كما أنَّ المخالفةَ من أسبابِ التفرُّقِ والتَّنافرِ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم﴾ أي بين الأزواجِ اما على تغليب الرِّجالِ على النِّساءِ في الخطاب أو على حذفِ ظرفٍ معطوفٍ على الظَّرفِ المذكُورِ أي جعل بينكم وبينهنَّ كما مر في قوله تعالى لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رُّسُلِهِ وقيل أو بين أفرادِ الجنسِ أي بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ ويأباهُ قولُه تعالى ﴿مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ فإنَّ المرادَ بهما ما كان منهما بعصمةِ الزَّواج قطعاً أي جعلَ بينكم بالزَّواج الذي شرعَه لكم توادَّاً وتراحُماً من غير أنْ يكونَ بينكم سابقةُ معرفةٍ ولا رابطةٌ مصحِّحةٌ للتَّعاطفِ من قرابةٍ أو رحمٍ قيل المودَّةُ والرَّحمةُ من قِبَل الله تعالى والفَرْك من الشَّيطانِ وَعَنِ الحَسَنِ رَحِمَهُ الله المَودَّةُ كِنايةٌ عنِ الجِمَاعِ وَالرَّحمةُ عَنِ الولدِ كما قال تعالى ورحمةً منا ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ أي فيما ذُكر من خلقِهم من تُرابٍ وخلقِ أزواجِهم من أنفسِهم وإلقاءِ المودَّةِ والرَّحمةِ بينهم وما فيهِ من معنى البعد مع قرب العهد بالمشارِ إليهِ للإشعارِ ببُعد منزلتِه ﴿لاَيَاتٍ﴾ عظيمةٌ لا يُكتَنه كُنهُها كثيرةً لا يُقَادر قدرُها ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في تضاعيفِ تلك الافاعيل المتينة المبنية على الحكم البالغة والجُملة تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله مع التنبيهُ على أنَّ ما ذُكر ليس بآيةٍ فذَّةٍ كما ينبىء عنه قوله تعالى ومن آياتِه بل هي مشتملةٌ على آياتٍ شتَّى
(ومن آياته) الدَّالَّةِ على ما ذُكر من أمر البعثِ وما يتلُوه من الجزاءِ ﴿خُلِقَ السماوات والارض﴾ إما من حيثُ إنَّ القادرَ على خلقِهما بما فيهما من المخلوقات بلا مادَّة مستعدةِ لها أظهرُ قدرة على إعادِة ما كان حيَّاً قبل ذلك وإمَّا منْ حيثُ إن خلقهما ومافيهما ليس إلا لمعاشِ البشرِ ومعادِه كما يُفصح عنه قولُه تعالى هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الارض جَمِيعاً وقولُه تعالَى وَهُوَ الذى خَلَقَ السموات والأرض فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴿واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ﴾ أي لغاتِكم بأنْ علَّم كلَّ صنفٍ لغتَهُ وألهمه وضعَها وأقدرَه عليها او اجناس نطقكم وأشكالِه فإنَّك لا تكادُ تسمعُ منطقينِ متساويينِ في الكيفيَّةِ من كلِّ وجهٍ ﴿وألوانكم﴾ ببياضِ الجلدِ وسوادِه وتوسطِه فيما بينهما أو تخطيطات الاعضاء وهيآتها وألوانِها وحُلاها بحيثُ وقعَ بها التمايز بين الاشخاص حتَّى إنَّ التَّوأمينِ مع توافقِ موادِّهما وأسبابِهما والأمورِ المتلاقيةِ لهما في التَّخليقِ يختلفانِ في شيءٍ من ذلك لا محالَة وإنْ كانا في غايةِ التَّشابِه وإنَّما نُظِمَ هذا في سلك الآيات الآفافية من خلقِ السمواتِ والأرضِ مع كونِه من الآياتِ الانفسية الحقيقة بالانتظامِ في سلكِ ما سبق من خلقِ أنفسِهم وأزواجِهم للإيذانِ باستقلالِه والاحترازِ عن توهُّمِ كونِه من تتمَّاتِ خلقِهم ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ أي فيما ذكر من خلقِ السمواتِ والأرضِ واختلافِ الألسنةِ والألوانِ ﴿لاَيَاتٍ﴾ عظيمة في أنفسها كثيرة في عددِها ﴿للعالمين﴾ أي المتَّصفين بالعلمِ كما في قولِه تعالى وَمَا يَعْقِلُهَا


الصفحة التالية
Icon