الروم
٣٠ - ٣٢ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ﴾ تمثيلٌ لإقباله على الدِّين واستقامتهِ وثباتِه عليه واهتمامِه بترتيبِ أسبابِه فإنَّ من اهتمَّ بشيءٍ محسوسٍ بالبصر عقدَ عليه طرفَه وسدَّد إليه نظره وقوم له وجهة مُقبلاً به عليه أي فقوم وجهك له وعدله غيرَ ملتفتٍ يميناً وشمالاً وقولُه تعالى ﴿حَنِيفاً﴾ حالٌ من المأمورِ أو من الدِّين ﴿فِطْرَةَ الله﴾ الفطرةُ الخلِقةُ وانتصابُها على الإغراءِ أي الزمورا أو عليكم فطرةَ الله فإن الخطاب للكل كما يفصحُ عنه قولُه تعالى منيبين والإفراد في أقِم لما أنَّ الرَّسولَ ﷺ امام الامة فأمره ﷺ مستتبع لأمرِهم والمرادُ بلزومِها الجريانُ على موجبِها وعدمُ الإخلالِ به باتباعِ الهَوَى وتسويلِ الشَّياطينِ وقيل على المصدرِ أي فطرَ الله فطرةً وقولُه تعالى ﴿التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ صفةٌ لفطرةَ الله مؤكدةٌ لوجوبِ الامتثالِ بالأمرِ فإنَّ خلقَ الله النَّاسَ على فطرتِه التي هي عبارةٌ عن قبولِهم للحقَّ وتمكُّنُهم من إدراكِه أو عن ملَّة الإسلامِ من موجباتِ لزومِها والتمسُّك بها قطعاً فإنَّهم لو خُلُّوا وما خُلقوا عليه أدَّى بهم إليها وما اختاروا عليها ديناً آخر ومن غَوى منهم فبإغواءِ شياطين الإنسِ والجنِّ ومنه قوله ﷺ حكايةٌ عن ربَّ العِزَّةِ كلَّ عبادِي خلقتُ حنفاءَ فاجتالتْهُم الشياطينُ عن ديِنهم وأمرُوهم أنْ يُشركوا بي غيري وقوله ﷺ كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرةِ حتَّى يكونَ أَبَواه هُما اللذانِ يهوِّدانه ويُنصِّرانِه وقولُه تعالى ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله﴾ تعليلٌ للأمرِ بلزومِ فطرتِه تعالَى أو لوجوبِ الامتثالِ به أي لا صَّحةَ ولا استقامةَ لتبديلةِ بالإخلالِ بموجبِه وعدمِ ترتيبِ مقتضاهُ عليه باتِّباعِ الهَوَى وقبولِ وسوسةِ الشَّيطانِ وقيل لا يقدِرُ أحدٌ على ان يغير فلا بد حينئذٍ من حملِ التَّبديلِ على تبديلِ نفسِ الفطرةِ بإزالتِها رأساً ووضعِ فطرةٍ أُخرى مكانَها غيرِ مصححةٍ لقبولِ الحقِّ والتمكنِ من إدراكِه ضرورةَ أنَّ التبديل بالمعنى الأول مقدور بل واقع قطعاً فالتعليل حينئذ من جهة أنَّ سلامة الفطرةِ متحققةٌ في كلِّ أحدٍ فلا بدَّ من لزومِها بترتيبِ مُقتضاها عليها وعدمُ الإخلالِ به بما ذُكر من اتِّباعِ الهوى وخطواتِ الشَّيطانِ ذلك إشارةٌ إلى الدِّين المأمورِ بإقامةِ الوجهِ له أو إلى لزومِ فطرةِ الله المستفادِ من الاغراءِ أو إلى الفطرةِ إنْ فسِّرت بالملَّة والتَّذكيرُ بتأويلِ المذكورِ أو باعتبارِ الخبرِ ﴿الدين القيم﴾ المُستوِي الذي لا عِوَجَ فيه ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلكَ فيصدُّون عنه صُدوداً
﴿منيبين إِلَيْهِ﴾ حالٌ من الضَّميرِ في النَّاصبِ المقدَّرِ لفطره الله أو في أقِم لعمومِه للأمَّةِ حسبما أُشير إليهِ وما بينَهما اعتراضٌ أي راجعين إليه من أنابَ إذَا رجعَ مرَّةً بعدَ أُخرى وقولُه تعالى ﴿واتقوه﴾ أي من مخالفةِ أمرهِ عطفٌ على المقدَّرِ المذكورِ وكذا قولُه تعالى ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين﴾ المبدِّلين لفطرةِ الله تعالى تبديلاً
﴿مِنَ الذين فَرَّقُواْ دِينَهُمْ﴾ بدلٌ من المشركينَ بإعادةِ الجارِّ وتفريقُهم لدينهم اختلافُهم فيما يعبدونه على


الصفحة التالية
Icon