الروم ٥١ ٥٣ بالتوَّحيدِ وقولُه تعالى ﴿كَيْفَ يحيي﴾ أي الله تعالى ﴿الارض بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ في حيِّزِ النِّصبِ بنزعِ الخافضِ وكيفَ معلِّقٌ لانظرْ أي فانظُرْ إلى إحيائِه البديعِ للأرضِ بعد موتِها وقيلَ على الحاليَّةِ بالتَّأويلِ وأيَّاً ما كان فالمرادُ بالأمرِ بالنَّظرِ التنبيهُ عَلَى عظمِ قُدرتِه تعالى وسعةِ رحمته ما فيه من التَّمهيدِ لما يعقبُه مِنْ أمرِ البعث وقرىء تحي بالتَّأنيثِ على الإسنادِ إلى ضميرِ الرَّحمةِ ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ العظيمُ الشأنِ الذي ذُكر بعض شئونه ﴿لَمُحْيِى الموتى﴾ لقادرٌ على إحيائِهم فإنَّه إحداثٌ لمثلِ ما كانَ في موادِّ أبدانِهم من القُوى الحَيَوانيَّةِ كما أنَّ إحياءَ الأرضِ إحداثٌ لمثلِ ما كانَ فيها منَ القُوى النباتيَّةِ أو لمحييهم البتةَ وقولُه تعالى ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ تذييلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله أي مبالغٌ في القُدرةِ على جميع الأشياء التي من جملتها إحياؤُهم لما أنَّ نسبةَ قُدرتِه إلى الكُلِّ سواءٌ
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ﴾ أي الأثرَ المدلُولَ عليه بالآثار او النبات المعبر عنه بالآثارِ فإنَّه اسمُ جنسٍ يعمُّ القليلَ والكثيرَ ﴿مُصْفَرّاً﴾ بعد خُضرتِه وقد جُوِّز أنْ يكونَ الضَّميرُ للسَّحابِ لأنَّه إذا كان مُصفرَّاً لم يُمطر ولا يخفى بعدُه واللامُ في لئن موطِّئةٌ للقسمِ دخلتْ على حرفِ الشَّرطِ والفاءُ في فَرأَوه فصيحة واللامُ في قولِه تعالى ﴿لَّظَلُّواْ﴾ لامُ جواب القسم ساد مسدَّ الجوابينِ أي وبالله لئنْ أرسلنا ريحاً حارةً أو باردةً فضربتْ زرْعَهُم بالصَّفارِ فرأَوَه مُصفرَّاً ليظلنَّ ﴿مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ من غيرِ تلعثُمٍ وفيه منْ ذمِّهم بعد تثبيتِهم وسرعةِ تزلزلِهم بين طَرَفيْ الإفراطِ والتفريطِ مالا يخفى حيثُ كان الواجبُ عليهم أن يتوكلوا على الله تعالى في كل حال ويلجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبسَ عنهم القطرُ ولا ييأسوا من رَوْح الله تعالى ويبادرُوا إلى الشُّكرِ بالطَّاعةِ إذا أصابَهم برحمتِه ولا يفرِّطوا في الاستبشارِ وأنْ يصبرُوا على بلائِه إذا اعترى زرعَهم آفةٌ ولا يكفرُوا بنعمائِه فعكسُوا الأمرَ وأبَوا ما يُجديهم وأَتَوا بما يُرديهم
﴿فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى﴾ لما انهم مثلهم لانسداد مشاعرِهم عن الحقِّ ﴿وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ﴾ تقييدُ الحكم بما ذُكر لبيانِ كمالِ سوءِ حالِ الكفرةِ والتنبيه على أنَّهم جامعُون لخصلتي السُّوءِ نبوِّ أسماعِهم عن الحقَّ وإعراضِهم عن الإصغاءِ إليهِ ولو كانَ فيهم إحداهُما لكفاهُم ذلك فكيفَ وقد جمعُوهما فإنَّ الأصمَّ المقبلَ إلى المتكلِّمِ ربَّما يفطَنُ من أوضاعِه وحركاتِه لشىءٍ من كلامِه وإنْ لم يسمعْهُ أصلاً وأمَّا إذا كانَ مُعرضاً عنه فلا يكادُ يفهمُ منه شيئاً وقُرىء بالياءِ المفتوحةِ ورفعِ الصُّمِّ
﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم﴾ سمُّوا عُمياً إما لفقدِهم المقصودِ الحقيقيِّ من الإبصارِ أو لعَمَى قلوبِهم وقُرىء تهدِي العميَ ﴿إِن تُسْمِعُ﴾ أي ما تُسمِعُ ﴿إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ فإنَّ إيمانَهم يدعُوهم إلى التَّدبرِ فيها وتلقِّيها بالقَبُولِ إو إلاَّ من يُشارفُ الإيمانَ بها ويُقبل عليها إقبالاً لائقاً ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ مُنقادُون لما تأمرُهم به من الحق