الروم
٥٤ - ٥٧ ﴿الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ أي ابتدأكُم ضعفاءَ وجعلَ الضَّعفَ أساسَ أمرِكم كقولِه تعالى وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً أي خلقكُم من أصلٍ ضعيفٍ هو النُّطفة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ وذلك عند بلوغِكم الحُلُمَ أو تعلقِ الرُّوح بأبدانِكم ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً﴾ إذا أخذَ منكم السنُّ وقُرىء بضمِّ الضَّادِ في الكلِّ وهو أَقوى لقولِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قرأتها على رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم فأقرأنِي من ضُعفٍ وهُما لغُتانِ كالفَقْرِ والفُقْرِ والتَّنكيرُ معَ التَّكريرِ لأنَّ المتقدِّمَ غيرُ المتأخرِ ﴿يَخْلُقُ مَا يشاء﴾ من الأشياء التي من جُمْلتها ما ذكِرَ منَ الضَّعفِ والقُوَّةِ والشَّيبةِ ﴿وَهُوَ العليم القدير﴾ المبالغُ في العلمِ والقدرةِ فإنَّ التَّرديدَ فيما ذُكر من الأطوارِ المختلفةِ من أوضحِ دلائلِ العلمِ والقدرةِ
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة﴾ أي القيامةُ سُمِّيتْ بها لأنَّها تقوم في آخرِ ساعةٍ من ساعاتِ الدُّنيا أو لأنَّها تقعُ بغتة وصارتْ عَلَماً لها كالنَّجمِ للثُّريَّا والكوكَبِ للزُّهْرةِ ﴿يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ﴾ أي في القبُورِ أو في الدُّنيا والأولُ هُو الأظهرُ لأنَّ لبثَهم مُغيَّا بيومِ البعثِ كما سيأتي وليسَ لبثُهم في الدُّنيا كذلكَ وقيلَ فيما بين فناءِ الدُّنيا والبعثِ وانقطاع عذابِهم وفي الحديثِ ما بينَ فناءِ الدُّنيا وَالبَعثِ أربعونَ وهُو محتملٌ للسَّاعاتِ والأيَّامِ والأعوامِ وقيلَ لا يعلم أهي أربعونَ سنة أو أربعونَ ألفِ سنة ﴿غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ استقلُّوا مدَّة لبثهم نسياناً أو كذباً أو تخميناً ﴿كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ﴾ مثلَ ذلكَ الصَّرفِ كانوا يُصرفون في الدُّنيا عن الحقِّ والصِّدقِ
﴿وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان﴾ في الدُّنيا من الملائكةِ والإنسِ ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله﴾ في علمهِ أو قضائهِ أو ما كتبَه وعيَّنه أو في اللوح أو القرآن وهو قوله تعالى وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ ﴿إلى يَوْمِ البعث﴾ ردُّوا بذلك ما قالُوه وأيَّدوه باليمين كأنَّهم من فرطِ حَيرتِهم لم يدرُوا أنَّ ذلك هو البعثُ الموعودُ الذي كانُوا ينكرونَه وكانُوا يسمعون أنَّه يكونُ بعد فناءِ الخلقِ كافَّة ويقدرون لذلك زماناً مديداً وإنْ لم يعتقدُوا تحقُّقه فردَّ العالِمونَ مقالتَهم ونبَّهوهم على أنَّهم لبثُوا إلى غايةٍ بعيدةٍ كانُوا يسمعونَها وينكرونَها وبكَّتوهم بالإخبارِ بوقوعِها حيثُ قالُوا ﴿فهذا يَوْمُ البعث﴾ الذي كنتُم تُوعدون في الدُّنيا ﴿ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أنَّه حقٌّ فتستعجلون به استهزاءً والفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ كما في قول من قالَ... قالُوا خراسانُ أقْصَى ما يرادبنا... ثمَّ القُفولُ فقد جِئنا خُراساناً...
﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ أي عذرُهم وقُرىء تنفعُ بالتاء محافظةً على ظاهرِ اللفظِ وإنْ توسط