لقمان ١٨ ٢٠ كلِّ ما ذُكر وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه لما مرَّ مراراً من الإشعارِ ببُعدِ منزلتِه في الفضل ﴿مِنْ عَزْمِ الامور﴾ أي ممَّا عزمَهُ الله تعالى وقطَعه على عبادِه من الأمورِ لمزيدِ مزيَّتِها مصدرٌ أُطلق على المفعولِ وقد جُوِّز أنْ يكونَ بمعنى الفاعلِ من قوله تعالى فَإِذَا عَزَمَ الامر أي جدَّ والجملةُ تعليلٌ لوجوبِ الامتثالِ بما سبقَ من الأمرِ والنَّهي وإيذانٌ بأنَّ ما بعدها ليس بمثابتِه
﴿وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ أي لا تُمِله ولا تُولِّهم صفحة وجهِك كما هو ديدنُ المتكبرينَ من الصَّعرِ وهو الصَّيَدُ وهو داءٌ يصيبُ البعيرَ فيلوى منه عنقَهُ وقُرىء ولا تُصاعرْ وقُرىء ولا تصعر من الاغعال والكل بمعنى مثل وعلاه وعالاه ﴿وَلاَ تَمْشِ فِى الارض مَرَحًا﴾ أي فَرَحاً مصدرٌ وقعَ موقِعَ الحالِ أو مصدرٌ مؤكد لفعل هو الحالُ أي تمرحُ مَرَحاً أو لأجلِ المرحِ والبَطَرِ ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ تعليلٌ للنَّهي أو موجبِه وتأخيرُ الفخورِ مع كونِه بمقابلةِ المصعِّرِ خدَّه عن المختالِ وهو بمقابلةِ الماشِي مَرَحا لرعاية الفواصل
﴿واقصد فِى مَشْيِكَ﴾ بعد الاجتنابِ عن المَرَح فيه أي توسَّطْ بين الدبيبِ والاسراع وعنه ﷺ سرعةُ المشيِ تُذهُب بهاءَ المُؤمنِ وقولُ عائشةَ في عمرَ رضيَ الله عنهما كانَ إذا مشَى أسرعَ فالمرادُ به ما فوقَ دبيب المنماوت وقُرىء بقطعِ الهمزةِ من أقصَدَ الرَّامِي إذا سدَّدَ سهمَه نحوَ الرَّميةِ ﴿واغضض مِن صَوْتِكَ﴾ وانقُص منه واقصُر ﴿إِنَّ أَنكَرَ الاصوات﴾ أي أوحشَها ﴿لَصَوْتُ الحمير﴾ تعليلٌ للأمرِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه مبنيٌّ على تشبيهِ الرَّافعينَ أصواتَهم بالحميرِ وتمثيل اصواتهم بالهاق وإفراطٌ في التَّحذيرِ عن رفعِ الصَّوتِ والتَّنفيرِ عنه وإفرادُ الصَّوتِ مع إضافتِه إلى الجمعِ لما أنَّ المرادَ ليس بيانَ حالِ صوتِ كلَّ واحدٍ من آحادِ هذا الجنسِ حتى يُجمعَ بل بيانَ حالِ صوتِ هذا الجنسِ من بينِ أصواتِ سائرِ الأجناسِ وقولُه تعالَى
﴿أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سخر لكم ما فى السماوات وَمَا فِي الارض﴾ رجوعٌ الى سنن ما سلفَ قبل قصَّةِ لقمانَ من خطابِ المشركينَ وتوبيخٌ لهم على إصرارُهم على ما هم عليه مع مشاهدتِهم لدلائلِ التَّوحيدِ والمرادُ بالتَّسخير إمَّا جعلُ المسخَّرِ بحيثُ ينفعُ المسخَّرَ له أعمُّ من أنْ يكونَ مُنقاداً له يتصرَّفُ فيه كيفَ يشاءُ ويستعملُه حسبما يريدُ كعامَّة ما في الأرضِ من الأشياءِ المسخَّرة للإنسانِ المستعملةِ له من الجمادِ والحيوانِ أو لا يكون كذلك بل يكونُ سبباً لحصولِ مرادِه من غير أن يكون له دخلٌ في استعمالِه كجميعِ ما في السَّمواتِ من الأشياءِ التي نِيطتْ بها مصالحُ العبادِ معاشاً ومعادا وما جعلُه منقاداً للأمرِ مذللاً على أنَّ معنى لكُم