السجدة ٤ ٦ من رسول قبله ﷺ أيْ ما أتَاهُم مِن نذير من قبل إنذارِك أو من قبل زمانِك والتَّرجِّي معتبرٌ من جهته ﷺ أي لتنذرهم راجياً لاهتدائهم أو لرجاء اهتدائهم واعلم أنَّ ما ذُكر من التَّأييدِ إنَّما يتسنَّى على ما ذُكر من كون تنزيلُ الكتابِ مبتدأً وأما على سائرِ الوجوهِ فلا تأييدَ أصلاً لأنَّ قولَه تعالى مِن رَّبّ العالمين خبرٌ رابعٌ على الوجهِ الأولِ وخبرٌ ثالثٌ على الوجهين الأخيرينِ واياما كان فكونُه من ربِّ العالمين حكمٌ مقصودُ الإفادةِ لاقيد لحكمٍ آخرَ فتدبَّر
﴿الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾ مرِّ بيانُه فيما سلفَ ﴿مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ﴾ أي ما لكُم إذا جاوزتُم رضاه تعالى أحدٌ ينصُركم ويشفعُ لكم ويجيركم من بأسهِ أي ما لكُم سواه وليٌّ ولا شفيعٌ بل هو الذي يتولَّى مصالحَكم وينصُركم في مواطنِ النَّصرِ على أنَّ الشَّفيعَ عبارةٌ عن النَّاصرِ مجازاً فإذا خذلكم لم يبقَ لكُم وليٌّ ولا نصير ﴿أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي ألا تسمعُون هذه المواعظَ فلا تتذكرون بها أو أتسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكارُ على الأول متوجه إلى عدمِ السَّماعِ وعدم التَّذكر معاً وعلى الثاني على عدمِ التذكر مع تحقُّق ما يُوجبه من السَّماعِ
﴿يدبِّرُ الأمرَ مِنَ السماء إِلَى الارض﴾ قيل يدبِّرُ أمر الدُّنيا بأسبابٍ سماويةٍ من الملائكةِ وغيرها نازلةٍ آثارُها وأحكامُها إلى الأرضِ ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ أي يثبت في علمِه موجوداً بالفعل ﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ﴾ أي في بُرهةٍ من الزَّمان متطاولةٍ والمرادُ بيانُ طول امتدادِ ما بين تدبيرِ الحوادث وحدوثِها من الزَّمان وقيل يدبر أمرَ الحوادثِ اليوميَّةِ بإثباتها في اللَّوحِ المحفوظِ فينزِلَ بها الملائكةُ ثم تعرجُ إليه في زمانٍ هو كألف سنة مما تعدون فإنَّ ما بين السَّماء والأرض مسيرةُ خمسمائةِ عامٍ وقيل يقضي قضاءَ ألفِ سنةٍ فينزل به المَلَكُ ثم يعرج بعد الألفِ لألفٍ أُخرَ وقيل يدبر أمرَ الدُّنيا جميعاً إلى قيامِ السَّاعةِ ثم يعرج إليه الأمرُ كلُّه عند قيامها وقيل يدبِّرُ المأمور به من الطَّاعاتِ منزلاً من السماء إلى الارض بالوحي ثم لا يعرجُ إليه خالصاً إلا في مدة متطاولة المخلصين والأعمال الخلَّص وأنت خبيرٌ بأنَّ قلَّةَ الأعمال الخالصةِ لا تقتضي بطءَ عروجِها إلى السَّماءِ بل قِلَّتَه وقُرىء يعدُّون بالياء
﴿ذلك﴾ إشارةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ باعتبارِ اتصافِه بما ذُكر من خلقِ السَّمواتِ والأرضِ والاستواءِ على العرشِ وانحصارِ الولايةِ والنُّصرةِ فيه وتدبيرِ أمرِ الكائناتِ على ما ذكر من الوجهِ البديعِ وهو مبتدأٌ خبرُه ما بعده أي ذلك العظيمُ الشَّأنِ ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ فيدبِّر أمرَهما حسبما تقتضيه الحكمةُ ﴿العزيز﴾ الغالب على امره


الصفحة التالية
Icon