السجدة ٧ ٩ ﴿الرحيم﴾ على عبادِه وهُما خبرانِ آخرانِ وفيه إيماءٌ إلى أنَّه تعالى متفضِّلٌ في جميعِ ما ذُكر فاعلٌ بالإحسانِ
﴿الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ﴾ خبرٌ آخرُ أو نُصب على المدحِ أي حسّن كلَّ مخلوقٍ خلقَه إذ ما من مخلوق خلقَه إلا وهو مرتبٌ على ما تقتضيه الحكمة واوجبته المصلحة فجميع المخلوقاتِ حسنةٌ وإن تفاوتت إلى حسنٍ وأحسنَ كما قال تعالَى لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وقيل علم كيفَ يخلقُه من قوله قيمةُ المرءِ ما يُحسِن أي يُحسن معرفَته أي يعرفِه معرفةً حسنةً بتحقيقٍ وإيقانٍ وقُرىء خلْقَه على أنَّهُ بدلُ اشتمالٍ من كلِّ شيءٍ والضَّميرُ للمبدَل منه أي حسّن خلقَ كلِّ شيءٍ وقيل بدلَ الكلِّ على أن الضَّميرَ للَّهِ تعالى والخلقُ بمعنى المخلوقِ أي حسّن كلَّ مخلوقاتِه وقيل هو مفعولٌ ثانٍ لأحسنَ على تضمينه معنى أعطَى أي أعطَى كلَّ شيءٍ خلقَه اللائقَ به بطريقِ الإحسانِ والتَّفضل وقيل هو مفعولُه الأولُ وكلّ شيءٍ مفعولُه الثاني والخلقُ بمعنى المخلوقِ وضميرُه لله سبحانَه على تضمينِ الإحسانِ معنى الإلهام والتَّعريفِ والمَعنى ألهم خلقَه كلَّ شيءٍ ممَّا يحتاجون إليهِ وقال أبو البقاءِ عرَّفَ مخلوقاتِه كلَّ شيءٍ يحتاجُون إليهِ فيؤول إلى مَعنى قوله تعالى ﴿الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هدى﴾ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان من بينِ جميعِ المخلوقاتِ ﴿مِن طِينٍ﴾ على وجهٍ بديعٍ تحارُ العقولُ في فهمِه حيثُ برَأ آدمَ عليه السَّلامُ على فطرةٍ عجيبة منطويةٍ على فطرةِ سائرِ أفراد الجنس انطواء إجماليا مستتبِعاً لخروج كلَّ فردٍ منها من القوةِ إلى الفعلِ بحسبِ استعداداتها المتفاوتةِ قُرباً وبُعداً كما ينبىء عنه قوله تعالى
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ إلخ أي ذُريَّتَه سُميتْ بذلك لأنَّها تنسلُ وتنفصلُ منه ﴿مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ﴾ هو المنيُّ المُمتهنُ
﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ أي عدَّله بتكميلِ أعضائِه في الرَّحمِ وتصويرِها على ما ينبغِي ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ أضافَه إليه تعالى تَشريفاً له وإيذاناً بأنَّه خلقٌ عجيبٌ وصنعٌ بديعٌ وأنَّ له شأناً له مناسبةٌ إلى حضرةِ الرُّبوبيةِ وأنَّ أقصى ما تنتهي إليه العقولُ البشريةُ من معرفتِه هذا القدرُ الذي يُعبر عنه تارةً بالإضافةِ إليه تعالى وأُخرى بالنسبةِ إلى أمرهِ تعالى كما في قولِه تعالى قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة﴾ الجعلُ إبداعيٌّ واللامُ متعلقة به والتقديمُ على المفعولِ الصَّريحِ لما مرَّ مراتٍ من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع ما فيه من نوع طولٍ يُخِلُّ تقديمُه بجزاله النظمِ الكريمِ أي خلق لمنفعتِكم تلك المشاعرَ لتعرفُوا أنها مع كونِها في أنفسِها نعماً جليلةً لا يُقادر قدرُها وسائلُ إلى التَّمتعِ بسائرِ النِّعمِ الدِّينية والدُّنيويةِ الفائضةِ عليكم وتشكروها بأنْ تصرفُوا كلاًّ منها إلى ما خُلق هو له فتُدركوا بسمعِكم الآياتِ التنزيليةَ الناطقةَ بالتَّوحيدِ والبعثِ وبأبصارِكم الآياتِ التكوينيةَ الشاهدةَ بهما وتستدلوا بأفئدتكم على حقيقتهما وقولُه تعالى ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ بيانٌ لكفرِهم بتلك النِّعمِ بطريقِ الاعتراضِ التَّذييليِّ على أنَّ القِلَّةَ بمَعْنَى