السجدة ١٠ ١٢ النَّفيِ كما يُنبىء عنه ما بعده أيُ شكراً قليلاً أو زمانا قليلا تشكرون وفي حكايةِ أحوالِ الإنسانِ من مبدأِ فطرتِه إلى نفخِ الرُّوح فيه بطريقِ الغَيبةِ وحكايةِ أحوالِه بعد ذلك بطريقِ الخطابِ المنبىءِ عن استعدادِه للفهمِ وصلاحيتِه له من الجَزَالةِ مالا غايةَ وراءَهُ
﴿وَقَالُواْ﴾ كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ أباطيلِهم بطريقِ الالتفاتِ إيذاناً بأنَّ مَا ذُكر من عدمِ شكرِهم بتلك النِّعمِ موجبٌ للإعراضِ عنهم وتعديدِ جناياتِهم لغيرهم بطريق المباثة ﴿أئذا ضَلَلْنَا فِى الارض﴾ أي صِرنا ترُاباً مخلوطاً بترابِها بحيثُ لا نتميَّز منه أو غبنا فيها بالدَّفنِ وقُرىء ضلِلنا بكسرِ اللامِ من بابِ عَلِمَ وصلِلنا بالصاد المهملة من صلَّ اللحمُ إذا أنتنَ وقيل من الصِّلةِ وهي الأرضُ أي صرنا من جنسِ الصِّلَّةِ قيل القائل ابي بن خَلَفٍ ولرضاهم بقولِه أُسند القولُ إلى الكلِّ والعاملُ فِي إذَا ما يدلُّ عليه قوله تعالى ﴿أئنا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهو نبعثُ أو يُجدد خلقَنا والهمزةُ لتذكيرِ الإنكارِ السَّابقِ وتأكيدِه وقُرىء إنَّا على الخبرِ وأيّاً ما كان فالمَعنى على تأكيدِ الإنكارِ لا إنكارٍ التَّأكيد كما هو المتبادَرُ من تقدمِ الهمزةِ على إنَّ فإنها مؤخَّرةٌ عنها في الاعتبارِ وإنَّما تقديمُها عليها لاقتضائِها الصَّدارةَ ﴿بَلْ هُم بِلَقَاء رَبّهِمْ كافرون﴾ إضرابٌ وانتقالٌ منِ بيانِ كفرِهم بالبعثِ إلى بيانِ ما هُو أبلغُ وأشنعُ منه وهو كفرُهم بالوصولِ إلى العاقبةِ وما يلقَونه فيها من الأحوالِ والأهوالِ جميعاً
﴿قُلْ﴾ بياناً للحقِّ وردَّا على زعمِهم الباطلِ ﴿يتوفاكم مَّلَكُ الموت﴾ لا كما تزعمون أنَّ الموتَ من الأحوالِ الطَّبيعيةِ العارضةِ للحيوانِ بموجبِ الجبلَّةِ أي يقبضُ أرواحكم بحيث لايدع فيكم شيئاً أو لا يتركُ منكم أحداً على أشد مايكون من الوجوهِ وأفظعِها من ضربِ وجوهِكم وأدبارِكم ﴿الذى وكل بكم﴾ أي بقبض أرواحِكم وإحصاءِ آجالِكم ﴿ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ بالبعث للحسابِ والجزاءِ
﴿وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون﴾ وهم القائلون أئذا ضللنا في الارض الآيةِ أو جنس المجرمينَ وهم من جملتهم ﴿ناكسو رؤوسهم عِندَ رَبّهِمْ﴾ من الحياءِ والخزيِ عند ظهورِ قبائحهم التي اقترفُوها في الدُّنيا ﴿رَبَّنَا﴾ أي يقولون رَبَّنَا ﴿أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ أي صرنا ممَّن يُبصرُ ويسمعُ وحصل لنا الاستعدادُ لإدراك الآياتِ المُبصَرةِ والآياتِ المسمُوعةِ وكنَّا من قبلُ عُميا وصُمَّا لا ندركُ شيئاً ﴿فارجعنا﴾ إلى الدُّنيا ﴿نَعْمَلْ﴾ عملاً ﴿صالحا﴾ حسبما تقتضيهِ تلك الآياتُ وقولُه تعالى ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ إدِّعاءٌ منهم لصحَّةِ الأفئدةِ والاقتدارِ على فهم معانِي الآياتِ والعملِ بموجبِها كما أنَّ ما قبله ادِّعاءٌ لصحَّةِ مشعري البصرِ والسَّمعِ كأنَّهم قالُوا وأيقنا وكنَّا من قبل لا نعقل شيئا أصلاً وإنما عدلُوا إلى الجملة الإسميةِ المؤكدةِ إظهاراً لثباتِهم على الإيقانِ وكمالِ رغبتهم فيه وكلُّ ذلك للجدِّ في الاستدعاءِ طمعاً في الإجابةِ إلى ما سألوه


الصفحة التالية
Icon