الأحزاب ١٠ خيولَهم وتيَّممُوا من الخندقِ مكاناً مضيقاً فضربُوا خيولَهم فاقتحمُوا فجالتْ بهم في السَّبخة بين الخندقِ وسلعٍ فخرج عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه في نفرٍ من المسلمين حتَّى أخذَ عليهم الثَّغرة التي اقتحمُوا منها فأقبلتِ الفرسانُ نحوَهم وكان عمروٌ معلماً ليُرى مكانُه فقال له عليٌّ رضيَ الله عنه يا عمر واني أدعُوك إلى الله ورسولِه والإسلامِ قال لا حاجةَ لي اليه فإنيِّ أدعُوك إلى النِّزالِ قال يا ابنَ أخي والله لا أحبُّ أنْ أقتلَك قال عليٌّ لكنِّي والله أحبُّ أنْ أقتلَك فحمي عمروٌ عند ذلكَ وكان غيُوراً مشهُوراً بالشَّجاعةِ واقتحمَ عن فرسِه فعقَره أو ضربَ وجهَه ثم أقبلَ عَلَى عليَ فتناولاَ وتجاولاَ فضربه علي رضي الله عنه ضربةً ذهبتْ فيها نفسُه فلما قتلَه انهزمتْ خيلُه حتى اقتحمتْ من الخندقِ هاربةً وقتل مع عمروٍ رجلين منبه بن عثمان ابن عبدِ الدَّار ونوفلُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ المُغيرةِ المخزومِّي قتلَه أيضاً عليٌّ رضي الله عنه وقيل لم يكُن بينهم إلا التَّرامي بالنَّبلِ والحجارةِ حتَّى أنزل الله تعالى النَّصرَ وذلكَ قولُه تعالى ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً﴾ عطفٌ على جاءتْكُم مسوقٌ لبيانِ النِّعمةِ إجمالاً وسيأتي بقيَّتُها في آخرِ القصَّة ﴿وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا﴾ وهم الملائكةُ عليهم السَّلامُ وكانُوا ألفاً بعثَ الله عليهم صَباً باردةً في ليلةٍ شاتيةٍ فأخصرتْهمُ وسفتِ التُّرابَ في وجوهِهم وأمرَ الملائكةَ فقلعت الأوتادَ وقطَّعتِ الأطنابَ وأطفأتِ النِّيرانَ وأكفأتِ القُدورَ وماجتِ الخيلُ بعضُها في بعضٍ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرعب وكبَّرتِ الملائكةُ في جوانبِ عسكرِهم فقال طليحةُ بنُ خوُيلدِ الأسديُّ أما محمدٌ فقد بدأكم بالسِّحرِ فالنَّجاءَ النَّجاءَ فانهزمُوا من غيرِ قتالٍ ﴿وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من حفرِ الخندقِ وترتيب مبادي الحربِ وقيل من التجائِكم إليه ورجائِكم من فضلِه وقُرىء بالياءِ أي بما يعملُه الكفَّارُ أي من التَّحرزِ والمحاربةِ أو من الكفرِ والمعاصِي ﴿بَصِيراً﴾ ولذلكَ فعلَ ما فعلَ من نصرِكم عليهم والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لما قبله
﴿إذ جاؤوكم﴾ بدلٌ من إذْ جاءتْكُم ﴿مّن فَوْقِكُمْ﴾ من أعلى الوادِي من جهةِ المشرقِ وهم بنُو غطَفَان ومَن تابعهم من اهل نجد قائدُهم عيينةُ بن حِصْنٍ وعامرُ بنُ الطُّفيلِ في هوازنَ وضامتهم اليهودُ من قريظةَ والنضِير ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أي من أسفلِ الوادِي من قبلِ المغربِ وهم قُريشٌ ومن شايعهم من الأحابيشِ وبني كِنانةَ وأهل تِهامةَ وقائدُهم أبوُ سفيانَ وكانُوا عشرةَ آلافٍ ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الابصار﴾ عطفٌ على ما قبلَه داخلٌ معه في حُكمِ التَّذكيرِ أي حين مالتْ عن سَننِها وانحرفتْ عن مُستوى نظرِها حيرةً وشُخوصاً وقيل عدلتْ عن كلِّ شيءٍ فلم تلتفتْ إلاَّ إلى عدوِّها لشدَّةِ الرَّوعِ ﴿وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر﴾ لأنَّ الرئةَ تنتفخ من شدَّةِ الفزعِ فيرتفعُ القلبُ بارتفاعِها إلى رأسِ الحنجرةِ وهي مُنتهى الحُلقومِ وقيل هو مثلٌ في اضطرابِ القلوب ووجيبِها وإنْ لم تبلغْ الحناجرَ حقيقة والخطابُ في قولِه تعالَى ﴿وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا﴾ لمن يُظهر الإيمانَ على الإطلاقِ أي تظنُّون بالله تعالى أنواعَ الظُّنونِ المختلفةِ حيثُ ظنَّ المُخلصون الثُّبتُ القلوبِ أنَّ الله تعالى يُنجز وعدَهُ في إعلاءٍ دينِه كما يُعرب عنه ما سيُحكى عنهم من قولِهم هذا مَا وَعَدَنَا