} ٨ ١٦
المفرطِ وسوءِ الفهمِ في أمورِ الدينِ
﴿قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب﴾ كررَ ذكرَهُم بهذا العنوانِ مبالغةً في ذمِّهم ﴿سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ هم بنُو حنيفةَ قومُ مسيلِمَةَ الكذابِ أو غيرُهم ممن ارتدُّوا بعد رسول الله ﷺ أو المشركونَ لقولِه تعالى ﴿تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ أي يكونُ أحدُ الأمرينِ إما المقاتلةُ أبداً أو الإسلامُ لا غيرُ كما يُفصحُ عنه قراءةُ أو يسلمُوا وأمامن عداهُم فينتهي قتالَهم بالجزيةِ كما ينتهِي بالإسلامِ وفيه دليلٌ على إمامةِ أبي بكرٍ رضيَ الله عنْهُ إذ لم تتفقْ هذه الدعوةُ لغيرِه إلا إذا صحَّ أنهم ثقيف وهوازن فإنَّ ذلك كان في عهدِ النبوةِ فيخصَّ دوامُ نفي الاتباعِ بَما في غزوةِ خيبرَ كما قالَهُ محيى السنةِ وقيلَ هم فارسُ والرومُ ومعنى يُسلمون ينقادونَ فإنَّ الرومَ نَصَارى وفارسَ مجوسٌ يُقبل منهم الجزيةُ ﴿فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً حَسَناً﴾ هو الغنيمةُ في الدنيا والجنةُ في الآخرةِ ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ﴾ عن الدعوةِ ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ﴾ في الحديبيةِ ﴿يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ لتضاعفِ جُرمكم
﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ﴾ أي في التخلفِ عنِ الغزوِ لِما بِهمْ من العذر والعاهة فإن التكلف يدورُ على الاستطاعةِ وفى نفي الحرجِ عن كلِّ من الطوائفِ المعدودةِ مزيدُ اعتناءٍ بأمرِهم وتوسيعٌ لدائرةِ الرُّخصةِ ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ﴾ فيما ذُكِرَ من الأوامر النواهى ﴿يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ وقُرِىءَ نُدْخِلْهُ بنون العظمة ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ أي عن الطاعةِ ﴿يُعَذّبْهُ﴾ وقرىء بالنونِ ﴿عذابا أليما﴾ لا يقدر قدرُهُ
﴿لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين﴾ هم الذينَ ذُكِرَ شأنُ مبايعتِهم وبهذهِ الآيةِ سُميتْ بَيعةَ الرضوانِ وقولُه تعالى ﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة﴾ منصوب برضى وضيغة المضارعِ لاستحضارِ صورتِها وتحتَ الشجرِة متعلقٌ به أو بمحذوف هو حال من مفعولِه رُويَ أنَّه عليه الصلاةُ والسَّلامُ لما نزلَ الحديبية بعثَ خراشَ بنَ أمية الخزاعى رسولا االى أهلِ مكةَ فهمُّوا بهِ فمنَعُه الأحابيشُ فرجعَ فبعثَ عثمانَ بنَ عفانَ رضيَ الله عنه فأخبرَهُم أنَّه عليه الصلاةُ والسلام لم يأتِ لحربٍ وإنما جاء زائراً لهذا البيتِ مَعظماً لحرمتِه فوقّرُوه وقالُوا إنْ شئتَ أنْ تطوفَ بالبيتِ فافعلْ فقالَ ما كنتُ لأطوفَ قبلَ أنْ يطوفَ رسول الله ﷺ واحتبسَ عندهُم فأُرْجِفَ بأنَّهم قتلُوه فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ لا نبرحُ حتى نناجزَ القومَ ودعا الناسَ إلى البيعةِ فبايعُوه تحتَ الشجرةِ وكانتْ