٤ ٨ والعامل في مضمرٌ غنيٌّ عنِ البيانِ لغايةِ شهرتِه معَ دلالةِ ما بعدَهُ عليهِ أيْ أحينَ نموتُ ونصيرُ تراباً نرجعُ كما ينطقُ به النذيرُ والمنذُر بهِ معَ كمالِ التباينِ بينَنا وبينَ الحياة جينئذ وَقُرىءَ إِذَا متنَا عَلى لفظِ الخبرِ أوْ على حذفِ أداةِ الإنكارِ ﴿ذلك﴾ إشارةٌ إلى محلِّ النزاعِ ﴿رَجْعُ بَعِيدٌ﴾ أيْ عنِ الأوهامِ أو العادةِ أو الإمكانِ وقيلَ الرجعُ بمعْنَى المرجوعِ الذي هُوَ الجوابُ فناصبُ الظرفِ حينئذٍ ما ينبىءُ عنه المنذرُ من البعثِ
﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض منهم﴾ زد لاستبعادِهم وإزاحةٌ له فإنَّ منْ عمَّ علمُهُ ولطُفَ حَتَّى انتَهى إلى حيثُ علمَ ما تنقصُ الأرضُ من أجسادِ الموتَى وتأكلُ من لحومِهم وعظامِهم كيفَ يستبعدُ رجعُهُ إيَّاهمُ أحياءً كما كانُوا عن النبيِّ ﷺ كُلُّ ابن آدمٍ يبلَى إلا عجبَ الذنبِ وقيلَ ما تنقص الأرض منهم ما يموتُ فيدفنُ في الأرضِ منهم ﴿وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ﴾ حافظٌ لتفاصيلِ الأشياءِ كُلِّها أو محفوظٌ من التغيرِ والمرادُ إما تمثيلُ علمِه تعالَى بكلياتِ الأشياءِ وجزئياتِها بعلم مَنْ عندَه كتابٌ محيطٌ يتلقى منْهُ كُلَّ شيءٍ أو تأكيدٌ لعلمِه تعالَى بها بثبوتِها في اللوح المحفوظ عندَهُ
﴿بَلْ كَذَّبُواْ بالحق﴾ إضرابٌ وانتقالٌ منِ بيانِ شناعتِهم السابقةِ إلى بيانِ ما هُو أشنعُ منْهُ وأفظعُ وهو تكذيبُهم للنبوةِ الثابتةِ بالمعجزاتِ الباهرةِ ﴿لَمَّا جَاءهُمْ﴾ مِنْ غيرِ تأملٍ وتفكرٍ وقُرِىءَ لِمَا جاءهُم بالكسرِ على أنَّ اللامَ للتوقيتِ أيْ وقتَ مجيئهِ إياهُم وقيلَ الحقُّ القرآنُ أو الإخبارُ بالبعثِ ﴿فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾ أيْ مضطربٌ لا قرارا لهُ منْ مَرَجَ الخاتمُ في أصبعِه حيثُ يقولونَ تارةً إنَّه شاعرٌ وتارةً ساحرٌ وأخرَى كاهنٌ
﴿أَفَلَمْ يَنظُرُواْ﴾ أيْ أغفلُوا أو أعمُوا فلمْ ينظرُوا ﴿إِلَى السماء فَوْقَهُمْ﴾ بحيثُ يشاهدونَها كلَّ وقتٍ ﴿كَيْفَ بنيناها﴾ أيْ رفعناهَا بغيرِ عمدٍ ﴿وزيناها﴾ بمَا فيهَا منَ الكواكبِ المرتبةِ على نظامٍ بديعٍ ﴿وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ منْ فتوقٍ لملاستِها وسلامتِها من كُلِّ عيبٍ وخللٍ ولعل تأخيرَ هَذا لمراعاةِ الفواصلِ
﴿والأرض مددناها﴾ أي بسطناهَا ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي﴾ جبالاً ثوابتَ مِنْ رسَا الشيءُ إذَا ثبتَ والتعبيرُ عنْهَا بهذَا الوصفِ للإيذانِ بأن إلقاءَها بإرساءِ الأرضِ بهَا ﴿وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ﴾ منْ كُلِّ صنفٍ ﴿بَهِيجٍ﴾ حسنٍ
﴿تَبْصِرَةً وذكرى﴾ علتانِ للأفعالِ المذكروة مَعْنى وإنِ انتصبتَا بالفعلِ الأخيرِ أو لفعلٍ مقدرٍ بطريقِ الاستئنافِ أيْ فعلنَا ما فعلنَا تبصيراً وتذكيراً ﴿لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ أيْ راجع إلى ربه متفكر في بدائعِ صنائعِه