٦٠ ٥٧
بقولِه تعالَى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس أشقياؤُهما ويَعضده قراءةُ مَن قرأَ وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ منَ المؤمنينَ وقال مجاهد واختارَهُ البغويُّ معناه إلا ليعرفوه ومداره قوله ﷺ فيما يحيكه عنْ رَبِّ العزةِ كُنتُ كنزاً مخفياً فأحببتُ أنْ أُعْرَفَ فخلقتُ الخلقَ لأعرفَ ولعلَّ السرُّ في التعبيرِ عنِ المعرفةِ بالعبادةِ عَلى طريقِ إطلاقِ اسمِ السببِ عَلى المسببِ التنبيهُ عَلى أنَّ المعتبرَ هيَ المعرفةُ الحاصلة بعبادته تعالى ما يحصلُ بغيرِها كمعرفةِ الفلاسفةِ
﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ بيانٌ لكَونِ شأنِه تعالَى معَ عبادةِ متُعالياً عنْ أنْ يكونَ كشأنِ السَّادِة معَ عبيدِهم حيثُ يملكونَهُم ليستعينُوا بهمْ في تحصيلِ معايشهِم وتهيئةِ أرزاقِهم أيْ ما أريدُ أنْ أصرفَهُم في تحصيلِ رزْقي ولا رِزْقهم بلْ أتفضلُ عليهمْ برزقِهم وبَما يصلحُهم ويعيِّشَهم منْ عندِي فليشتغلُوا بمَا خُلِقوا لَهُ منْ عِبادِتي
﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق﴾ الذي يرزقُ كلَّ ما يفتقر الى الرزق وفه تلويحٌ بأنَّه غنيٌّ عنْهُ وقُرِىءَ إنِّي أنَا الرزَّاقُ ﴿ذُو القُوَّةِ المتينِ﴾ بالرفعِ عَلى أنَّه نعتٌ للرزاقِ أوْ لذُو أَوْ خبرٌ بعد خبر أو خبر لمضمرٍ وقُرِىءَ بالجرِّ عَلى أنَّه وصفٌ للقوةِ على تأويلِ الاقتدارِ أوِ الأيدِ
﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أيْ ظلُموا أنفسَهم بتعريضِها للعذابِ الخالدِ بتكذيبِ رسولِ الله ﷺ أوْ وضعُوا مكانَ التصديقِ تكذيباً وَهُم أهلُ مكةَ ﴿ذَنُوباً﴾ أيْ نصيباً وافراً منَ العَذَابِ ﴿مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم﴾ مثلَ أنصباءِ نُظَرائِهم منَ الأممِ المحكيةِ وهُو مأخوذٌ من مقاسمةِ السُّقاةِ الماء بالذنوب وهو الدلوالعظيم المملوءُ ﴿فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ﴾ أيْ لا يطلُبوا منِّي أنْ أُعجِّلَ في المجىءِ بهِ يقالُ استعجَلهُ أيْ حثَّهُ عَلى العَجَلةِ وأمره بها ويقالُ استعجلَهُ أيْ طلبَ وقوعَهُ بالعجلةِ ومنْهُ قولِه تعالى أتى أَمْرُ الله فلا تستعلجوه وهُو جوابٌ لقولِهم مَتَى هذا الوعد إِن كنتم صادقينَ
﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وضعَ الموصولُ موضعَ ضميرِهم تسجيلاً عليهم بما في حيز الصلةِ منَ الكُفر وإشعاراً بعلةِ الحكمِ والفاءُ لترتيبِ ثبوتِ الويلِ لهُم عَلى أنَّ لَهُم عذاباً عظيماً كَما أنَّ الفاءَ الأُولى لترتيبِ النَّهي عنْ الاستعجالِ عَلى ذلكَ ومِنْ في قولِه تعالَى ﴿مِن يَوْمِهِمُ الذى يُوعَدُونَ﴾ للتعليلِ أيْ يوعدونَهُ منْ يومَ بدرٍ وقيلَ يومَ القيامةِ وهُو الأنسبُ بَما في صدرِ السورةِ الكريمةِ الآتيةِ والأولُ هُو الأوفقُ لما قبلَهُ منْ حيثُ إنَّهما منَ العذاب الدنيوي عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ والذارياتِ أعطاهُ الله تعالَى عشرَ حسناتٍ بعدد كلِّ ريح سهبت وجرت في الدنيا