الرحمن ٥ {
بسم الله الرحمن الرحيم لما عد في السورةِ السابقةِ ما نزلَ بالأممِ السالفةِ من ضروبِ نقمِ الله عزَّ وجلَّ وبيّن عَقيبَ كلِّ ضربٍ منَها أنَّ القرآنَ قدْ يُسِّرِ لحملِ النَّاسِ عَلى التذكرِ والاتعاظِ ونَعَى عليهم إعراضَهُم عن ذلكَ عدَّدَ في هذه السورةِ الكريمةِ ما أفاضَ على كافَّةِ الأنامِ من فنونِ نعمه الدينية والدنيوية والأنفسية ولآفاقية وأنكرَ عليهم إِثْرَ كلِّ فنٍ منها إخلالَهُم بمواجبِ شُكرِها وبُدىءَ بتعليمِ القُرآنِ فقيل
﴿الرحمن﴾ ﴿علم القرآن﴾ لأنه أعظم النعم شأنان وأرفعُها مكاناً كيفَ لا وهُو مدارٌ للسعادةِ الدينيةِ والدنيويةِ عيارٌ على سائرِ الكتبِ السماويةِ ما منْ مرصدٍ يرنُو إليه أحداقُ الأممِ إلا وهُو منشؤُه ومناطُه ولا مقصدٍ يمتدُّ إليه أعناقُ الهممِ إلا وهُو منهجُه وصراطُه وإسنادُ تعليمِه إلى اسمِ الرَّحمنِ للإيذانِ بأنه من آثا الرحمةِ الواسعةِ وأحكامِها وقد اقتُصرَ على ذكرِه تنبيهاً على أصالتِه وجلالةِ قدرِه ثمَّ قيلَ
﴿خَلَقَ الإنسان﴾ ﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ تعييناً للمعلَّم وتبييناً لكيفيةِ التعليمِ والمرادُ بخلقِ الإنسانِ إنشاؤُه على ما هُو عليه منَ القُوى الظاهرةِ والباطنةِ والبيانُ هو التعبيرُ عمَّا في الضميرِ وليسَ المرادُ بتعليمِه مجردَ تمكينِ الإنسانِ من بيانِ نفسِه بل منْهُ ومنْ فهمِ بيانِ غيرِه أيضاً إذْ هُو الذي يدورُ عليه تعليمُ القُرآنِ والجملُ الثلاثُ أخبارٌ مترادفةٌ للرَّحمنُ وإخلاءُ الأخيرتينِ عن العاطفِ لورودِها على منهاجِ التعديدِ
﴿الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ﴾ أي يجريانِ بحسابٍ مقدرٍ في بروجِهما ومنازلِهما بحيثُ ينتظمُ بذلكَ أمورُ الكائناتِ السفلية وتختلفُ الفصولُ والأوقاتُ وتُعلمُ السنون الحساب