} ٣ ١٠
في الميزانِ فَحُذِفَ الجارُّ وأوصلَ الفعلُ
﴿والأرض وَضَعَهَا﴾ أي خفضَها مدحوَّةً على الماءِ ﴿لِلأَنَامِ﴾ أي الخلقِ قيلَ المرادُ به كلُّ ذِي رُوحٍ وقيلَ كلُّ ما على ظهرِ الأرضِ مِن دابَّةٍ وقيلَ الثقلان وقوله تعالى
﴿فِيهَا فاكهة﴾ الخ استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير ما أفادته الجملة السابقةُ من كونِ الأرضِ موضوعةً لمنافعِ الأنامِ وتفصيلِ المنافعِ العائدةِ إلى البشرِ وقيلَ حالٌ مقدرةٌ من الأرضِ فالأحسنُ حينئذٍ أن يكون الحال هو الجارَّ والمجرورَ وفاكهةٌ رفعَ على الفاعليةِ أي فيها ضروبٌ كثيرةٌ مما يُتفكَّه بهِ ﴿والنخل ذَاتُ الأكمام﴾ هي أوعيةُ الثمرِ جَمعُ كِمَ أو كلُّ ما يُكَمّ أي يُغطَّى من ليفٍ وسعفٍ وكُفُرَّى فإنَّه مما ينتفعُ به كالمكمومِ من ثمرهِ وجُمَّارهِ وجذوعِه
﴿والحب﴾ هو ما يُتغذَّى بهِ كالحنطةِ والشعيرِ ﴿ذُو العصف﴾ هو ورقُ الزرعِ وقيل التبنُ ﴿والريحان﴾ قيلَ هو الرزقُ أريدَ به اللبُّ أي فيها ما يتلذذ به من الفواكه والجامع بين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل وما يُتغذَّى بهِ وهو الحبُّ الذي له عصفٌ هو علفُ الأنعامِ وريحانٌ هو مطِعُم الناسِ وقُرِىءَ والحبَّ ذا العصفِ والريحانَ أي خلقَ الحبَّ والريحانَ أو أخص ويجوز ان يرادو ذا الريحانِ فحُذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليهِ مُقامَهُ والريحانُ إما فعيلان من روح فقلبت الواو ياءً وأُدغمَ ثمَّ خففَ أو فعلانٌ قلبتْ واوُه ياءً للتخفيفِ أو للفرقِ بينَهُ وبين الرَّوحانِ وهو ماله روحٌ قاله القرطبيُّ
﴿فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ﴾ الخطابُ للثقلينِ المدلولِ عليهما بقولِه تعالى للأنامِ وسينطقُ به قولُه تعالى أيُّها الثقلانِ والفاءُ لترتيبِ الإنكارِ والتوبيخِ على ما فُصِّل من فنون النَعماء وصنوفِ الآلاءِ الموجبةِ للإيمان والشكر والتعرّضُ لعنوانِ الربوبيةِ المُنْبئة عن المالكيةِ الكلِّيةِ والتربيةِ مع الإضافةِ إلى ضميرِهم لتأكيدِ النكيرِ وتشديدِ التوبيخِ ومعنى تكذيبِهم بآلائِه تعالى كفرهم بها إما بإنكارِ كونِه نعمةً في نفسهِ كتعليمِ القرآنِ ومايستند إليهِ من النعمِ الدينيةِ وإما بإنكارِ كونِه من الله تعالى مع الاعترافِ بكونِه نعمةً في نفسِه كالنعمِ الدنيويةِ الواصلةِ إليهم بإسنادِه إلى غيرِه تعالَى استقلال أو اشتراكاً صريحاً أو دلالة فإن إشراكهم لألهتم به تعالَى في العبادةِ من دواعِي إشراكِهم لها به تعالى فيما يُوجبها والتعبيرُ عن كفرِهم المذكورِ بالتكذيبِ لما أنَّ دلالةَ الآلاءِ المذكورةِ على وجوبِ الإيمانِ والشكرِ شهادةٌ منها بذلك فكفرُهم بها تكذيبٌ بَها لا محالةَ أي فإذا كان الأمر كما فُصِّلَ فبأيِّ فردٍ من أفراد آلاء ما لككما ومربِّيكُما بتلكَ الآلاءِ تكذبانِ مع أنَّ كلاً منها ناطقٌ بالحقِّ شاهدٌ بالصدقِ