} ﴿
الإنفاقِ المأمورِ به بعدَ توبيخِهم على ترك الإيمانِ بإنكار أن يكون لهم في ذلكَ أيضاً عذرٌ من الأعذارِ وحذفُ المفعولِ لظهورِ أنَّه الذي بُيِّنَ حالُه فيما سبقَ وتعيينُ المُنفَقِ فيهِ لتشديدِ التوبيخِ أى وايى شيءٍ لكُم في أنْ لا تنفقُوا فيمَا هُو قربةٌ إلى الله تعالَى ما هو في الحقيقةِ وإنَّما أنتُم خلفاؤُه في صرفِه إلى ما عيَّنهُ من المصارفِ وقوله تعالى {ولله ميراث السماوات والأرض﴾ حالٌ من فاعلِ لا تنفقوا ومفعلوه مؤكدةٌ للتوبيخِ فإنَّ تركَ الإنفاقِ بغير سببٍ قبيحٌ منكرٌ ومع تحقق ما يوجبُ الإنفاقَ أشدُّ في القبحِ وأدخلُ في الإنكارِ فإنَّ بيانَ بقاءِ جميعَ ما في السَّمواتِ والأرض من الأموالِ بالآخرةِ لله عزَّ وجلَّ من غيرِ أنْ يبقَى من أصحابِها أحدٌ أقوى في إيجابِ الإنفاقِ عليهم من بيان أنَّها لله تعالى في الحقيقةِ وهم خُلفاؤه في التصرف فيها كأنَّه قيلَ وما لكُم في ترك إنفاقِها في سبيلِ الله والحالُ أنَّه لا يبقَى لكُم منها شيءٌ بل يبقى كلُّها لله تعالَى وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمارِ لزيادة التقريرِ وتربية المهابةِ وقولُه تعالى ﴿لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وقاتل﴾ بيانٌ لتفاوت درجاتِ المنفقينِ حسبَ تفاوتِ أحوالِهم في الإنفاقِ بعدَ بيانِ أنَّ لهم أجراً كبيراً على الإطلاقِ حثَّاً لهم على تحرِّي الأفضلِ وعطفُ القتالِ على الإنفاقِ للإيذانِ بأنَّه من أهمِّ موادِّ الإنفاقِ مع كونِه في نفسِه من أفضلِ العباداتِ وأنه لا يخلُو من الإنفاقِ أصلاً وقسيمُ مَنْ أنفقَ محذوفٌ لظهورِه ودلالةِ ما بعدَهُ عليهِ وقُرىءَ قبلَ الفتحِ بغير مِنْ والفتحُ فتحُ مكَة ﴿أولئك﴾ إشارةٌ إلى مَن أنفقَ والجمعُ بالنظرِ إلى مَعْنى مَنْ كَما أنَّ إفرادَ الضميرَيْن السابقينِ بالنظرِ إلى لفظِها وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشارِ إليهِ للإشعارِ ببُعدِ منزلتِهم وعلوِّ طبقتِهم في الفضلِ ومحلُّه الرَّفعُ على الابتداءِ أي أولئكَ المنعوتونَ بذينكَ النعتينِ الجميلينِ ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ وأرفعُ منزلةً ﴿مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا﴾ لأنَّهم إنما فعلُوا ما فعلُوا من الإنفاق والقتالِ قبل عزةِ الإسلامِ وقوةِ أهلِه عند كمالِ الحاجةِ إلى النصرة بالنفسِ والمالِ وهم السّابقونَ الأوَّلُون من المهاجرينَ والأنصار الذينَ قالَ فيهم النبيُّ ﷺ لو أنفقَ أحدُكم مثلَ أحدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَهُ وهؤلاءِ فعلُوا ما فعلُوا بعد ظهورِ الدينِ ودخولِ الناس فيه أوفواجا وقلةِ الحاجةِ إلى الإنفاقِ والقتالِ ﴿وَكُلاًّ﴾ أي وكلَّ واحدٍ من الفريقينِ ﴿وَعَدَ الله الحسنى﴾ أي المثوبةَ الحُسنى وهي الجنةُ لا الأولينَ فقطْ وقُرِىءَ وكلٌّ بالرَّفعِ على الابتداءِ أي وكلٌّ وعدَهُ الله تعالَى ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ بظواهرِه وبواطنهِ فيجازيكُم بحسبِه وقيلَ نزلتِ الآيةُ في أبي بكر رضي الله تعالَى عنه فإنَّه أولُ مَنْ آمنَ وأولُ من أنفقَ في سبيلِ الله وخاصمَ الكفَّارَ حتى ضُربَ ضرباً أشرفَ به على الهلاكِ وقولُه تعالَى
﴿مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا﴾ ندبٌ بليغٌ من الله تعالى إلى الإنفاق في سبيلِه بعد الأمرِ به والتوبيخِ على تركِه وبيانِ درجاتِ المنفقينَ أي مَنْ ذَا الذي ينفقَ مالَه في سبيلِه تعالَى رجاءَ أنْ يعوضَهُ فإنَّه كمنْ يُقرضُه وحُسنُ الإنفاقِ بالإخلاصِ فيه وتحرِّي أكرمِ المالِ وأفضلِ الجهاتِ ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ بالنصب على جوابِ الاستفهامِ باعتبارِ المَعْنى كأنَّه قيلَ أيقرضُ الله أحدٌ فيضاعفَهُ له أي فيعطيهِ أجرَهُ أضعافاً ﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي