} ٧
تعالَى لقد أرسلنَا رسلنَا إلخ وتكريرُ القسمِ لإظهار مزيدِ الاعتناءِ بالأمر أيْ وبالله لَقْد أرسلناهُمَا ﴿وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب﴾ بأن استنبأناهُم وأوحينَا إليهم الكتبَ وقيلَ المرادُ بالكتابِ الخطُّ بالقلمِ ﴿فَمِنْهُمْ﴾ أي من الذرية أو من المرسل إليهم المدلولِ عليهم بذكر الإرسالِ والمرسلينَ ﴿مُّهْتَدٍ﴾ إلى الحقِّ ﴿وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون﴾ خارجونَ عن الطريق المستقيمِ والعدولُ عن سنن المقابلةِ للمبالغةِ في الذمِّ والإيذانِ بغلبةِ الضُّلالِ وكثرتِهم
﴿ثم قفينا على آثارهم بِرُسُلِنَا﴾ أي ثُمَّ أرسلنَا بعدَهُم رسلنَا ﴿وَقَفَّيْنَا بِعَيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ أي أرسلنَا رسولاً بعد رسولٍ حتَّى انتهى إلى عيسَى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ والضميرُ لنوحٍ وإبراهيمَ ومَنْ أُرسِلا إليهم أو من عاصرهم من الرُّسلِ لا للذريةِ فإنَّ الرسلَ المُقفَّى بهم من الذرية ﴿وآتيناه الإنجيل﴾ وقرئ بفتحِ الهمزةِ فإنَّه أعجميٌّ لا يلزم فه مراعاةُ أبنيةِ العربِ ﴿وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الذين اتبعوه رأفة﴾ وقرئ رآفةً على فَعَالةٍ ﴿وَرَحْمَةً﴾ أي وفَّقناهُم للتراحمِ والتعاطفِ بينهُم ونحوه في شأن أصحابِ النبيِّ عليهِ الصلاةَ والسَّلامُ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً﴾ منصوب أما يعفل مضمر يفسره والظاهر أيْ وابتدعُوا رهبانيةً ﴿ابتدعوها﴾ وإمَّا بالعطفِ على ما قبلهَا وابتدعُوها صفةٌ لها أى وجلعنا في قلوبهم رأفة روحمة ورهبانيةً مبتدعة من عندهم أى ووفقناهم للتراحم بينهُم ولابتداعِ الرهبانيةِ واستحداثها وهي المبالغةُ في العبادةِ بالرياضةِ والانقطاع عن النَّاسِ ومعناهَا الفعلةُ المنسوبةُ إلى الرَّهبانِ وهو الخائفُ فَعْلانُ من رَهبَ كخشيانَ من خَشِي وقُرِىءَ بضمِّ الراءِ كأنَّها نسبةٌ إلى الرُّهبانِ وهو جمعُ راهبٍ كراكبٍ ورُكبان وسببُ ابتداعِهم إيَّاها أنَّ الجبابرةَ ظهروُا على المؤمنينَ بعدَ رفعِ عيسَى عليهِ السَّلامُ فقاتلُوهم ثلاث مرات فقاتلوا حتَّى لم يبقَ منُهم إلا قليلٌ فخافُوا أنْ يُفتتنُوا في دينِهم فاختارُوا الرَّهبانيةَ في قُللِ الجبالِ فارِّينَ بدينِهم مُخلصينَ أنفسَهُم للعبادةِ وقولُه تعالَى ﴿مَا كتبناها عَلَيْهِمْ﴾ جملةٌ مستأنفةٌ وقيلَ صفةٌ أُخْرى لرهبانيةٍ والنفيُ على الوجهِ الأولِ متوجِةً إلى أصلِ الفعلِ وقوله تعالى ﴿إلا ابتغاء رضوان الله﴾ استثناءٌ منقطعٌ أي مافرضناها نحنُ عليهم رأساً ولكنُهم رأسا ابتدعُوها ابتغاءَ رضوانِ الله فذمَّهم حينئذٍ بقولِه تعالى ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ من حيثُ أنَّ النذرَ عهدٌ مع الله لا يحلُّ نكثُه لا سيَّما إذَا قُصدَ به رضاهُ تعالَى وعلى الوجهِ الثانِي متوجهٌ إلى قيدِه لا إلى نفسه ولاسثتناء متصلٌ من أعمِّ العللِ أي ما كتبنَاها عليهم بأن وفقناهم لا بتداعها لشيءٍ من الأشياءِ إلا ليبتغُوا بها رضوانَ الله ويستحقُّوا بها الثوابَ ومن ضرورةِ ذلكَ أن يحافظُوا عليَها ويراعُوها حقَّ رعايتها فما رَعَاها كلُّهم بلْ بعضهم ﴿فآتينا الذين آمنوا مِنْهُمْ﴾ إيماناً صحيحاً وهو الإيمان برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم بعدَ رعايةِ رهبانيتِهم لا مجردَ رعايتِها فإنَّها بعدَ البعثةِ لغوٌ مَحضٌ