} ﴿
هيَ حالٌ وهُوَ بعيدٌ وَقَولُهُ عزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾
تعليلٌ لِمَا قبلَهُ بطريقِ التحقيقِ أي مبالِغٌ في العلم بالمسموعات والمبصَراتِ وَمنْ قضيتِهِ أنْ يسمعَ تحاورَهُمَا ويَرَى ما يقارنُهُ منَ الهيئاتِ الي منْ جُملِتَها رفعُ رأسِهَا إلى السماءِ وسائرُ آثارِ التضرعِ وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في الموقعينِ لتربيةِ المهابةِ وتعليلِ الحُكم بوصفِ الألوهيةِ وتأكد استقلالِ الجملتينِ وَقَوْلُه تَعَالَى
﴿الذين يظاهرون مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ﴾ شروعٌ في بيانِ شأنِ الظهارِ في نفسِهِ وحكمِه المترتبُ عليه شَرْعاً بطريقِ الاستئنافِ والظهارُ أنْ يقولَ الرجلُ لامرأتِهِ أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي مشتقٌ منَ الظهرِ وَقدْ مرَّ تفصيلُهُ في الأحزابِ وألحقَ بهِ الفقهاءُ تشبيهَهَا بجزءٍ مُحرمٍ وَفي منكُمْ مزيدُ توبيخٍ للعربِ وتهجينٌ لعادتهمْ فيه فإن كانَ منْ أيمانِ أهلِ جاهليتهِمْ خَاصَّة دونَ سائرِ الأمم وقرىء يظاهرون ويظْهرونَ وقولُه تَعَالَى ﴿مَّا هُنَّ أمهاتهم﴾ خبرٌ للموصولِ أَيْ ما نساؤُهُم أمهاتُهُم عَلَى الحقيقةِ فهُوَ كذبٌ بحتٌ وَقَرىءَ أمهاتُهم بالرفعِ عَلى لُغةِ تميمٍ وبأمهاتِهم ﴿إِنْ أمهاتهم﴾ أيْ مَا هُنَّ ﴿إِلاَّ اللائى وَلَدْنَهُمْ﴾ فَلاَ تشبَّهُ بهنَّ فِي الحُرمةِ إِلا منْ ألحقَهَا الشرعُ بهنَّ منَ المرضعاتِ وأزواجِ النبيَّ عليهِ الصلاةَ والسلامُ فدخلنَ بذلكَ في حُكمِ الأمهاتِ وَأمَّا الزوجاتُ فأبعدُ شيءٍ منَ الأُمومةِ ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ﴾ بقولِهم ذلكَ ﴿مُنكَراً مّنَ القول﴾ عَلى أنَّ مناطَ التأكيدِ ليسَ صدورَ القولِ عنْهمْ فإنَّه أمرٌ محققٌ بلْ كونَهُ منكراً أيْ عندَ الشرعِ وعند العقلِ والطبعِ أيضاً كما يشعرُ بهِ تنكيره ونظيرُهِ قَولُهُ تعالَى إنكُمْ لتقولونَ قولاً عظيماً ﴿وَزُوراً﴾ أيْ محرفاً عنِ الحَقِّ ﴿وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ أيْ مبالغٌ في العفو والمغفرةِ فيغفرُ لمَا سلفَ منْهُ عَلَى الإطلاقِ أَوْ بالمتابِ عنْهُ وقولُه تَعَالَى
﴿والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ ثم يعودون لما قالوا﴾ تفصيلٌ لحكمِ الظهارِ بعدَ بيانِ كونِهِ أمراً منكراً بطريقِ التشريعِ الكليِّ المنتظمِ لحكمِ الحادثةِ انتظاماً أولياً أيْ والذينَ يقولونَ ذلكَ القولَ المنكرَ ثمَّ يعودونَ لما قالُوا أَيْ إِلى ما قالوا بالتدراك والتلافِي لاَ بالتقريرِ والتكريرِ كما في قوله تعالى أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً فإِنَّ اللامَ وإِلى تتعاقبان كَثيراً كَما في قولِهِ تَعَالى هَدَانَا لهذا وقولِهِ تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا وقوله تعالى وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ اى فتدراكه أو فعليهِ أوْ فالواجبُ إعتاقُ رقبةٍ أيَّ رقبةٍ كانتْ وعندَ الشافعيِّ رحمَهُ الله تَعَالَى يشترطُ الإيمانُ والفاء للسببية ومنه فوائدِها الدلالةُ على تكررِ وجوبِ التحريرِ بتكررِ الظهارِ وَقيلَ ما قالُوا عبارةٌ عَمَّا حرَّمُوهُ عَلى أنفسِهمْ بلفظِ الظهارِ تنزيلاً للقولِ منزلةَ المقُولِ فيهِ كَما ذُكر في قوله تعالى وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ أَي المقولُ فيهِ منَ المالِ والولدِ فالمَعْنَى ثُمَّ يريدونَ العودَ للاستمتاعِ فتحريرُ


الصفحة التالية
Icon