} ٤
توصيةِ نوحٍ عليهِ السَّلامُ للمسارعة إلى بيان كون المشروعِ لهم ديناً قديماً وتوجيه الخطابِ إليه عليه الصَّلاةُ والسَّلام بطريق التلوين للتشريف والتنبيهِ على أنَّه تعالَى شرعَهُ لهم على لسانِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ﴿أَنْ أَقِيمُواْ الدين﴾ أي دينَ الإسلامِ الذي هو توحيدُ الله تعالى وطاعتُه والإيمان بكتبه ورسله وبيوم الجزاءِ وسائرِ ما يكونُ الرجلُ بهِ مُؤمناً والمرادُ بإقامتِه تعديلُ أركانِه وحفظُه منْ أنْ يقعَ فيه زيف أو المواظبةُ عليه والتشمّرُ له ومحلُّ أنْ أقيمُوا إما النصبُ على أنه بدلٌ منْ مفعول شرع والمعطوفين عليها أو الرفعُ عَلى أنَّه جواب عن سؤال نشأ منْ إبهامِ المشروعِ كأنَّه قيلَ وما ذاكَ فقيلَ هو إقامةُ الدينِ وقيلَ بدلٌ من ضمير به وليسَ بذاكَ لما أنَّه معَ إفضائه إلى خروجه عن حيز الإيحاءِ إلى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم مستلزمٌ لكون الخطابِ في قولِه تعالَى ﴿وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فيه﴾ للأنبياء المذكروين عليهمْ الصَّلاةُ والسَّلامُ وتوجيه النَّهي إلى أممهم تمحّلٌ ظاهرٌ مع أنَّ الأظهرُ أنَّه متوجهٌ إلى أمته ﷺ وأنَّهم المتفرقونَ كما ستحيطُ به خبرا اي لا تتفرقُوا في الدينِ الذي هُو عبارةَ عمَّا ذُكر من الأصولِ دونَ الفروعِ المختلفةِ حسبَ اختلافِ الأممِ باختلافِ الأعصارِ كما ينطقُ بهِ قولُه تعالَى ﴿لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شرعة ومنهاجا﴾ وقولُه تعالَى ﴿كَبُرَ عَلَى المشركين﴾ شروعٌ في بيانِ أحوالِ بعضِ مَنْ شرعَ لهم ما شرع من الدينِ القويمِ أي عظُم وشق علهيم ﴿ما تدعوهم إليه﴾ من التوحيدِ ورفضِ عبادةِ الأصنامِ واستبعدُوه حيثُ قالُوا ﴿أَجَعَلَ الألهة إلها واحدا إِنَّ هذا لَشَىْء عُجَابٌ﴾ وقولُه تعالَى ﴿الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَاء﴾ استئنافٌ واردٌ لتحقيق الحقِّ وفيه إشعارٌ بأنَّ منهُم من يجيبُ إلى الدعوة أي الله يجتلبُ إلى ما تدعُوهم إليهِ مَنْ يشاءُ أنْ يجتبَيُه إليهِ وهُو من صَرفَ اختيارَهُ إلى ما دُعِيَ إليه كما ينبىءُ عنه قولُه تعالى ﴿وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ أي يُقبلُ إليه حيثُ يمدُّه بالتوفيق والألطافِ وقولُه تعالَى
﴿وَمَا تَفَرَّقُواْ﴾ شروعٌ في بيان أحوالِ أهلِ الكتابِ عقيبَ الإشارةِ الإجماليةِ إلى أحوالِ أهلِ الشركِ قال ابن عباس رضي الله عنُهمَا هُم اليهودُ والنَّصارى لقولِه تعالَى وَمَا تَفَرَّقَ الذين أوتو الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة أيْ وما تفرقُوا في الدينِ الذي دُعوا إليهِ ولم يُؤمنوا كما آمنَ بعضُهم ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم﴾ بحقِّيتِه بما شاهُدوا في رسول الله ﷺ والقرآنِ من دلائلِ الحقِّيةِ حسبما وجدُوه في كتابِهم أو العلم بمبعثه ﷺ وهو استثناءٌ مفرَّغٌ من أعمِّ الأحوالِ أو منْ أعمِّ الأوقاتِ أيْ وما تفرقُوا في حالٍ من الأحوالِ أو في وقتٍ من الأوقاتِ إلا حالَ مجىء العلم أو إلا وقت مجيءَ العلمِ ﴿بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ وحميةً وطلباً للرياسة لا لأنَّ لهم في ذلكَ شبهةٌ ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ﴾ وهي العِدَةُ بتأخير العقوبةِ ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو يومُ القيامةِ ﴿لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ﴾ لأوقعَ القضاءَ بينَهم باستئصالِهم لاستيجاب جناياتِهم لذلك قطعاً وقولُه تعالَى ﴿وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ﴾