} ﴿
قولُهُ تعالَى {لا تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾
فإنه استئنافٌ مَسوقٌ لتعليلِ مضمونِ الشرطيةِ وقد قالُوا إن الأمرَ الذي يحدثُهُ الله تعالى أنْ يقلبَ قلبَهُ عمَّا فعلَهُ بالتعدِّي إلى خلافِهِ فلا بد أن يكون الظلمُ عبارةً عن ضررٍ دنيويَ يلحقُهُ بسببِ تعدِّيهِ ولا يُمكنُ تدارُكُهُ أو عنْ مُطلقِ الضررِ الشاملِ للدنيويِّ والأُخرويِّ ويخُصُّ التعليلُ بالدنيويِّ لكونِ احترازِ الناسِ منهُ أشدَّ واهتمامِهِمْ بدفْعِهِ أوقى وقولُهُ تعالَى لا تَدْرِى خطابٌ للمتعدِّي بطريقِ الالتفاتِ لمزيدِ الاهتمامِ بالزجرِ عن التعدِّي لا للنبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كما توهِّمَ فالمَعْنَى وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فقدْ أضرَّ بنفسِهِ فإنك لا نردي أيُّها المتعدِّي عاقبَة الأمرِ لعلَّ الله يحدثُ في قلبكَ بعدَ ذلكَ الذي فعلتَ من التعدِّي أمراً يقتضِي خلافَ ما فعلتَهُ فيبدَّل ببغضِهَا محبةً وبالإعراضِ عنعا إقبالاً إليها ويتسنَّى تَلاَفيهِ رجعةً أو استئنافَ نكاحٍ
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ شارفنَ آخرَ عدتِهِنَّ ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ فراجعوهنَّ ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بحسنِ معاشرةٍ وإنفاقٍ لائقٍ ﴿أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ بإيفاء الحق واتقاء الضرار بأنْ يراجعَهَا ثم يُطلقهَا تطويلاً للعدةِ ﴿وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ﴾ عند الرجعةِ والفرقة قطعا للتنازع وهذ أمرُ ندبٍ كما في قولِهِ تعالَى وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ويُروَى عن الشافعي أنه للوجوبِ في الرَّجعَةِ ﴿وَأَقِيمُواْ الشهادة لِلَّهِ﴾ أيُّها الشهودُ عندَ الحاجةِ خالصاً لوجهه تعالى ﴿ذلكم﴾ إشارةٌ إلى الحثِّ على الإشهادِ والإقامةِ أو على جميعِ ما في الآيةِ ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بالله واليوم الأخر﴾ إذْ هو المنتفعُ بهِ والمقصودُ تذكيرُهُ وقولُهُ تعالَى ﴿وَمَن يَتَّقِ الله﴾ الخ جملةٌ اعتراضيةٌ مؤكدةٌ لما سبقَ منْ وجوبِ مراعاةِ حدودِ الله تعالى بالوعدِ على الاتقاءِ عن تعدِّيها كَما أن ما تقدمَ من قولِهِ تعالَى وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ مؤكدٌ لهُ بالوعيدِ على تعدِّيها فالمعنَى ومنْ يتقَ الله فطلقَ للسنةِ ولم يُضارَّ المعتدةَ ولم يُخرجها من مسكنِهَا واحتاطَ في الإشهادِ وغيرِهِ من الأمورِ ﴿يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ مما عَسَى يقعُ في شأنِ الأزواجِ من الغُمومِ والوقوعِ في المضايقِ ويفرجْ عنه ما يعتريهِ من الكُروبِ
﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يحتسبُ﴾ أي من وجهٍ لا يخطرُ ببالِهِ ولا يحتسبُهُ ويجوزُ أن يكونَ كلاماً جيءَ بهِ على نهجِ الاستطرادِ عند ذكرِ قولِهِ تعالى ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بالله إلى آخرِهِ فالمَعْنَى ومن يتق الله في كلِّ ما يأتي وما يدر يجعلْ لهُ مخرجاً ومخلصاً من غمومِ الدُّنيا والآخرةِ فيندرجُ فيهِ ما نحنُ فيهِ اندراجاً أولياً عن النبي عله الصلاة والسلام أنه قرأها فقالَ مخرجاً من شبهاتِ الدُّنيا ومن غمراتِ الموتِ ومن شدائدِ


الصفحة التالية
Icon