٩ ٦
وقولُه تعالى
﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ استئنافٌ وقع جوابا عن سؤال نشأ مما قبله من الحثِّ عَلى التَّقوى كأنَّه قيلَ كيفَ نعملُ بالتَّقوى في شأنِ المعتداتِ فقيلَ أسكنوهنَّ مسكناً من حيثُ سكنتُم أي بعضَ مكانٍ سكناكم وقولُه تعالَى ﴿مّن وُجْدِكُمْ﴾ أي من وُسعِكم أي مما تطيقونَهُ عطفُ بيانٍ لقولِهِ من حيثُ سكنتُم وتفسيرٌ لهُ ﴿وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ﴾ أيْ في السكنى ﴿لتضيقوا عليهن﴾ وتلتجئوهن إلى الخروجِ ﴿وَإِن كُنَّ﴾ أي المطلقاتُ ﴿أولات حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ فيخرُجنَ من العدةِ أما المُتوفَّى عنهنَّ أزواجُهنَّ فلا نفقةَ لهُنَّ ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ بعدَ ذلكَ ﴿فآتوهن أُجُورَهُنَّ﴾ على الإرضاعِ ﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي تشاورُوا وحقيقتُه ليأمرْ بعضُكم بعضاً بجميلٍ في الإرضاعِ والأجرِ ولا يكون من الأب مماسكة ولا من الأمِّ مُعاسرةٌ ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ﴾ أي تضايقتُم ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى﴾ أي فستوجَدُ ولا تُعوزُ مرضعةٌ أُخرى وفيه معاتبةٌ للأمِّ على المعاسرةِ
﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رزقه فلينفق مما آتاه الله﴾ وإنْ قلَّ أي لينفقْ كُلُّ واحدٍ من الموسرِ والمعسرِ ما يبلغُه وسعُه ﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إلا ما آتاها﴾ جَلَّ أو قَلَّ فإنَّه تعالَى لا يكلفُ نفساً إلا وُسعَها وفيهِ تطييبٌ لقلبِ المُعسرِ وترغيبٌ لهُ في بذل مجهود وقد أُكِّدَ ذلكَ بالوعدِ حيثُ قيلَ ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ أي عاجلاً أو آجلاً
﴿وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ﴾ أي كثيرٌ من أهلِ قريةٍ ﴿عَتَتْ﴾ أي أعرضتْ ﴿عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ﴾ بالعُتوِّ والتمردِ والعنادِ ﴿فحاسبناها حِسَاباً شديدا﴾ بالاستقصاء والتنقير والمناقشةِ في كلِّ نقيرٍ وقِطْميرٍ ﴿وعذبناها عَذَاباً نُّكْراً﴾ أي مُنكراً عظيماً وقُرِىءَ نكراً والمرادُ حسابُ الآخرةِ وعذابُها والتعبيرُ عنهما بلفظِ الماضى للدلالة على تحقيقها كما في قوله تعالى وَنَادَى أصحاب الجنة
﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عاقبة أَمْرِهَا خُسْراً﴾ هائلاً لا خُسَر وراءَهُ


الصفحة التالية
Icon