٥ ٤
ننفسى فرحاً بالكرامةِ التي خصَّ الله تعالَى بهَا أباهَا ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ أي عن تعريفِ بعضٍ تكرماً قيلَ هو حديثُ ماريةَ ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ﴾ أي أخبرَ النبيُّ عليهِ الصلاةَ والسلامُ حفصةَ بما عرفَهُ من الحديثِ ﴿قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا﴾ أي إفشاءَهَا للحديثِ ﴿قَالَ نَبَّأَنِىَ العليم الخبير﴾ الذي لا تَخفى عليهِ خافيةٌ
﴿إِن تَتُوبَا إِلَى الله﴾ خطابٌ لحفصةَ وعائشةَ على الالتفاتِ للمبالغةِ في العتابِ ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ الفاءُ للتعليل كما في قوله اعبُدْ ربَّكَ فالعبادةُ حقٌّ أي فقدْ وُجدَ منكُما ما يوجبُ التوبةَ من ميلِ قلوبِكما عمَّا يجبُ عليكُما من مُخالصةِ رسولِ الله ﷺ وحبِّ ما يحبُه وكراهةِ ما يكرهُهُ وقُرِىءَ فقدْ زَاغَت ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ بإسقاطِ إحْدَى التاءينِ وقُرِىءَ عَلى الأصلِ وبتشديدِ الظَّاءِ وتَظهرا أي تتعاونَا عليهِ بما يسوؤه من الإفراطِ في الغير وإفشاءِ سرِّه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مولاه وَجِبْرِيلُ وصالح الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي فلَنْ يَعدَمَ مَن يظاهرُهُ فإنَّ الله هو ناصره وجبريل رئيسُ الكُروبيينَ قرينُه ومَن صلحَ منَ المؤمنينَ أتباعُه وأعوانُه قال ابنُ عباسٍ رضي تعالى عنهُما أرادَ بصالحِ المؤمنينَ أبا بكرٍ وعمرَ رضيَ الله عنهُما وقد رُويَ ذلكَ مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاةَ والسلام وبهِ قالَ عكرمةُ ومقاتلٌ وهو اللائق بتوسطه بين جبريلَ والملائكةِ عليهِم السلامُ فإنَّه جمعٌ بينَ الظهيرِ المعنويِّ والظهيرِ الصُّوريِّ كيف لا وإن جبرل ظهيرٌ لهُ عليهما السلامُ يؤيده بالتأييدات الاهية وهما وزيراهُ وظهيراهُ في تدبيرِ أمورِ الرسالةِ وتمشيةِ أحكامِهَا الظاهرةِ ولأنَّ بيانَ مظاهرتِهِما لهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أشدُّ تأثيراً في قلوبِ بنتيهمَا وتوهيناً لأمرِهِما فكانَ حقيقاً بالتقديمِ بخلافِ ما إذا أُريدَ بهِ جنسُ الصالحينَ كما هوَ المشهور ﴿والملائكة﴾ مع تكاثرِ عددِهِم وامتلاءِ السمواتِ من جموعِهِم ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ قيلَ أي بعدَ نُصرةِ الله عزَّ وجلَّ وناموسِهِ الأعظمِ وصالحِ المؤمنينَ ﴿ظَهِيرٍ﴾ أي فوجٌ مظاهرٌ لهُ كأنَّهم يدٌ واحدةٌ على منْ يُعاديهِ فماذَا يفيدُ تظاهرُ امرأتينِ على مَن هؤلاءِ ظُهراؤُه وما ينبىء عنه قوله تعالى بعدَ ذلكَ من فضلِ نُصرتِهِم على نُصرةِ غيرِهِم مِنْ حيثُ إنَّ نصرةَ الكلِّ نصرةِ الله تعالَى وإنَّ نصرتَهُ تعالى بهم وبمظاهرتِهِم أفضلُ من سائرِ وجوهِ نُصرتِهِ هذا ما قالُوه ولعلَّ الأنسبَ أنْ يجعل ذلك إشارة إلى مظاهرةِ صالحِ المؤمنينَ خاصَّة ويكونَ بيانُ بعديةِ مظاهرةِ الملائكةِ تداركاً لما يُوهمه الترتيبُ الذكريُّ من أفضليةِ المقدمِ فكأنه قيلَ بعد ذكرِ مظاهرةِ صالحِ المؤمنينَ وسائرُ الملائكةِ بعدَ ذلكَ ظهيرٌ له عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيذاناً بعلوِّ رتبةِ مظاهرتهم وبعد منزلتها وجبرا لفصلِها عن مظاهرةِ جبريلَ عليهِ السلامُ
﴿عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ أي يعطيَهُ عليهِ السلامُ بدلكُنَّ


الصفحة التالية
Icon