فصلت آية (٦ ٨) أي لرسول الله ﷺ عندَ دعوتِه إيَّاهم إلى الإيمان والعملِ بما في القرآن ﴿قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ﴾ أي أغطية ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى آذاننا وقر﴾ أي صمم الثقل وقرىء بالكسر وفرىء بفتحِ القافِ ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ غليظ بمنعنا عن التواصلِ ومنْ للدلالةِ على أن الحجابَ مبتدأٌ من الجانبينِ بحيثُ استوعبَ ما بينهما من المسافةِ المتوسطةِ ولم يبقَ ثمةَ فراغٌ أصلاً وهذه تمثيلاتٌ لنُبوِّ قلوبِهم عنْ إدراك الحق وقبله ومج أسماعههم له كأن بهاصمما وامتناع مواصلتِهم وموافقتِهم للرسولِ ﷺ ﴿فاعمل﴾ أي على دينكَ وقيلَ في إبطال أمرنا ﴿إِنَّنَا عاملون﴾ أي على دينِنا وقيل في إبطال أمرِك والأولُ هو الأظهرُ فإن قولَه تعالى
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بشرٌ مثلُكم يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ تلقينٌ للجوابِ عنه أي لستُ منْ جنس مغايرٍ لكم حتى يكونَ بيني وبينكم حجابٌ وتباينٌ مصححٌ لتباين الأعمالِ والأديان كما ينبىءُ عنه قولُكم فاعملْ إننَا عاملون بل إنما مثلُكم مأمورٌ بما أُمرتم به حيثُ أُخبرْنا جميعاً بالتوحيد بخظاب جامع بين وبينكم فإن الخطابَ في إلهكم محكى منتظم للكل لا أنه خطابٌ منه عليه الصلاة والسلام كما في مثلُكم وقيلَ المعنى لستُ مَلَكاً ولا جِنياً لا يمكنكم التقلى منه ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقولُ والأسماعُ وإنما أدعوكُم إلى التوحيدِ والاستقامةِ في العملِ وقد تدلُّ عليهما دلائلُ العقلِ وشواهدُ النقلِ وقيلَ المَعْنى إني لستُ بملَكٍ وإنما أنا بشرٌ مثلُكم وقد أُوحي إليّ دونَكُم فصحَّتْ بالوحي إليَّ ون بشرٌ نبوتِي وإذا صحَّت نبوتِي وجبَ عليكم اتباعِي فتأمل والفاء في قوله تعالى ﴿فاستقيموا إِلَيْهِ﴾ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها من إحياء الوحدانيةِ فإن ذلك موجبٌ لاستقامتِهم إليه تعالى بالتوحيدِ والإخلاصِ في الأعمالِ ﴿واستغفروه﴾ مما كنتم عليهِ من سُوءِ العقيدةِ والعملِ وقولُه تعالى ﴿وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ﴾ ترهيبٌ وتنفيرٌ لهم عن الشركِ إثَر ترغيبِهم في التوحيدِ ووصفهم بقولِه تعالى
﴿الذين لا يؤتون الزكاة﴾ لزيادة التحذيرِ والتخويفِ عن منع الزكاةِ حيثُ جُعلَ من أوصافِ المشركينَ وقُرنَ بالكفر بالآخرة حيث قيل ﴿وَهُمْ بالاخرة هُمْ كافرون﴾ وهو عطفٌ على لا يُؤتون داخلٌ في حيزِ الصلةِ واختلافُهما بالفعلية والاسميةِ لما أنَّ عدمَ إيتائِها متجددٌ والكفرُ أمرٌ مستمرٌ ونُقلَ عن ابن عباس رضي الله عنهُما أنه فسرَ لا يُؤتون الزكاةَ بقوله لا يقولون لا إله إلا الله فإنها زكاةُ الأنفسِ والمعنى لا يظهرون أنفسَهُم من الشرك بالتوحيد وهو مأخوذٌ من قولِه تعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ وقال الضحاكُ ومقاتلٌ لا ينفقون في الطاعات ولا يتصدقُون وقال مجاهدٌ لا يزكون أعمالَهُم
﴿إن الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي


الصفحة التالية
Icon