أي لكيْ تهتدُوا بسلوكِها إلى مقاصدِكم أو بالتفكُّر فيها بالتوحيد الذي هو المقصد الأصلي
﴿والذى نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ﴾ بمقدارٍ تقتضيه مشيئتُه المبنيةُ على الحكم والمصالحِ ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ﴾ أي أحيينَا بذلكَ الماءِ ﴿بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ خالياً عن النماءِ والنباتِ بالكُلِّيةِ وقُرِىءَ مَيِّتَا بالتشديدِ وتذكيرُه لأنَّ البلدةَ في مَعْنى البلدِ والمكانِ والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإظهارِ كمالِ العنايةِ بأمرِ الإحياءِ والإشعارِ بعِظَمِ خطرِه ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلك الإحياءِ الذي هو في الحقيقةِ إخراجُ النباتِ منَ الأرضِ ﴿تُخْرَجُونَ﴾ أي تُبعثونَ من قبورِكم أحياءً وفي التعبيرِ عنْ إخراجِ النباتِ بالإنشارِ الذي هُو إحياءُ الموتى وعن إحيائها بالإخراجِ تفخيمٌ لشأنِ الإنباتِ وتهوينٌ لأمر البعث لتقويمِ سننِ الاستدلالِ وتوضيحِ منهاجِ القياسِ
﴿والذى خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا﴾ أي أصنافَ المخلوقاتِ وعن ابن عباس رضي الله عنهُمَا الأزواجُ الضروبُ والأنواعُ كالحُلو والحامضِ والأبيضِ والأسودِ والذكور والأُنْثى وقيلَ كلُّ ما سوى الله تعالى فو زوجٌ كالفوقِ والتحتِ واليمينِ واليسار إلى غيرِ ذلكَ ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ أي ما تركبونَهُ تغليباً للأنعامِ على الفلكِ فإن الركوبَ متعدٍ بنفسهِ واستعمالُه في الفُلكِ ونحوِها بكلمةِ فِي الرمز الى مكانتها وكونِ حركتِها غيرَ إراديةٍ كما مر في سورة هودٍ عندَ قولِه تعالَى وقال اركبوا فِيهَا
﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾ أي لتستعلُوا على ظهورِ ما تركبونَهُ من الفُلكِ والأنعامِ والجمعُ باعتبارِ المَعْنى ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾ أي تذكرُوها بقلوبِكم معترفينَ بها مستعظمينَ لها ثم تحمَدوا عليها بألسنتِكم ﴿وَتَقُولُواْ سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا﴾ مُتعجِّبينَ من ذلكَ كمَا يُروي عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنه كانَ إذا وضعَ رجلَهُ في الركابِ قال بسم الله فإذَا استوَى على الدابةِ قال الحمدُ لله على كلِّ حالٍ سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هَذا إلى قولِه تعالى لمنقلبونَ وكبَّر ثلاثاً وهللَّ ثلاثاً ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أي مُطيقينَ من أقرنَ الشيءَ إذا أطاقَهُ وأصلُه وجدُه قرينتَه لأن الصعْبَ لا يكونُ قرينةً للضعيفِ وقُرِىءَ بالتشديدِ والمَعْنى واحدٌ وهذا من تمامِ ذكر معمته تعالى إذ بدونِ اعترافِ المنعمِ عليه بالعجزِ عن تحصيلِ النعمةِ لا يعرفُ قدرَها ولا حق المنعمِ بها
﴿وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ أي راجعونَ وفيهِ إيذانٌ بأنَّ حقَّ الراكبِ أنْ يتأملَ فيما يُلابسُه من المسيرِ ويتذكَر منه المسافرةَ العُظْمى التي هيَ الانقلابُ إلى الله تعالى فيبنِى أمورَهُ في مسيرِه ذلكَ على تلكَ الملاحظةِ ولا بخطر ببالِه في شيءٍ